سأفتتح مقهى في مكان منعزل قليلاً .. سأقوم بطلاء جدرانه باللون الأسود و أسميه "black coffee " سأضع فيه كراسي و طاولات مهترئة و قديمة ، سأجعله من دون مصابيح و لن توجد سوى شمعة واحدة في كل طاولة ، و تكون الطاولات بعيدة عن بعضها .
سيكون مقهى في غاية السوء ، كل مستلزماته مهترئة و قديمة..﮼
و ركيكة و سوداء ، يفتح فقط في فصل الخريف و الشتاء ليلا ، و يمنع دخول المرتبطين .
لا شيء فيه جميل سوى الأوراق البيضاء و الأقلام من النوع الجيد التي أضعها فوق كل طاولة من أجل المجانين العاشقين للهلوسات .
و سأكون أنا النادل الذي يوزع عليكم كؤوس البؤس بكل سرور ...
مجموعة من تمبلر تلتقي في مقهى أحدهم يقف عند الباب وهو متردد من الدخول، هناك ضحكات لشخص يحاول كسر الصمت .. شخص آخر صامت لا يرغب بالتحدث ولكنه يراقب الجميع، مجموعة مسرورين لهذا اللقاء المفاجأ نظرات خجل بين اثنين حديث شيق بزاوية ونقاش حاد بزاوية ثانية، شخص يرتدي قناع لا يتكلم بل يرمي قصاصة ورق لكل شخص بأوقات متفرقة (أنون)، رائحة القهوة جميلة وما زالت تزداد قوة وجمال .. شخص يقترب وبيديه صينية فيها العديد من الاكواب وخلفه أنا صانع القهوة مبتسم ومعي كأسان من الشاي لمن لا يحب القهوة.
كل أكواب الشاي التي استشهدت في سبيل تحسين مزاجي يجب أن أعلقها على حائط غرفتي تكريمًا لها.
يحتاجُ القهوجيُّ ونادلُ المقهى أن يصلح من نظرتِه للشاي، ألا يحدد قدرَ الزبون بمشروبه، وألا يرمقك شزرًا حين تطلب "شاي سكر بره"، ولا يبالغ في ابتهاجه حين تطلب عصير المانجو أو الليمون. يحتاجُ القهوجيُّ ألا يضيقَ من تراثِه.
صديقي، قهوتي، مدينتي، والليل.
نحن المُعلّقة أفئدتهم بالأماكن والمساكن، المحتفظون بالذكرى والتذكار، متيَّمون في صوت المطر ومغازلة النسيم لأوراق الشجر، نُسافر مع ما لدينا من حنين لماضٍ لا نعلم كيف انقضى رغم بقائه، نميل لكل ما يوصلنا إلينا، ولنا سماء الجميع وسماؤنا التي فرشناها نجومًا وأحلامًا، وخلَّدنا فيها ما أهداه الله لنا من أيامٍ نعيش بها حتى اللحظة.
نحنُ الأمان الخائف، والقلب الرائف، نحنُ أعداء الشغف الزائف.. أصحاب الوعد والعهد، القابلينَ بكل رد.. نحنُ العطاء المخذول، زهرٌ جاروا عليه بالذبول، نحنُ من اخترنا الحب في كل شيء، السلام رغم كل شيء، والعفو عند كل شيء.