أول مانكتب عن الاستقلالية دائما يقفز في اذهاننا الاستقلالية المادية ولكن هي ليست مبالغة هناك من يسير جنباً إلى جنب مع أهمية الاستقلالية المادية وهي الاستقلالية النفسية
الاستقلالية النفسية بكل بساطة أنا أسميها النجاة بالذات ، تحرر ذاتك من العبودية لأي شيء كان وهي لا تعني الأنانية المفرطة ولا تعني عدم المسؤولية ولكن هي تعني الأولويات لأنك إذا لم تستطع النجاة بنفسك فما فائدة عيشك إذاً هل ستكون أشبه بمستعبد خادم لتلبية رضى الآخرين فتصبح محكوم بأهواءهم وأزماتهم ومزاجيتهم ، فهناك مشكلة وخاصة لدى النساء الكثير منهم لديها القدرة على الإحساس والسعي وراء الاستقلالية المادية ولكن ليس لديها القدرة على الاستقلالية النفسية وأعتقد هذا سر ضعف مناعتنا النفسيه وقد يقول البعض المناعة مفهوم جسدي كيف نناقشه بمفهوم نفسي ، وذلك لأهمية تأثير النفس على الجسد بشكل لا يمكن تخيله حتى انه لا يأخذ بجدية
نعم الاستقلالية المادية بوابة لفسخ القيود والعبور إلى الحرية ولكن يلزم لذلك العبور شخصية تدرك أهمية الاستقلالية أهمية صنع القرار واتخاذ القرار لديها قدرة على خلق عالمها الشخصي بأختيارها وكل ذلك يلزمه أن تملك ذاتك لا تكون ذاتك مبعثره لرضى أو خوف تلك الاعتبارات الاجتماعية التي ألزمت المرأة اكثر من الرجل في دور الرعاية والحارسة ينبغي أن تعيها المرأة وتقف عند حدودها لا تسمح لنفسها أن تنساق لهذا التشكيل الذي شكلها المجتمع عليه ، فمثلا شهدت على نساء قريبات جداً لديهم استقلالية مادية ومع ذلك مستعبدات ، الدور الوحيد المسموح لها أن تؤديه هو دور الرعاية سواء لزوج او عائلة ، والرعاية لا تعني الخدمية البحته ولكن تعني الارتباط التام تصبح اسيرة لحالتهم المزاجية أو النفسية ومشاكلهم ، تدريجياً ودون أن تعلم يُسحب بساط الحياة منها فتكتشف بأنها بلا حياة بل هي عاشت ضمن دائرة حياة آخرين ولو تعد عدد الايام التي اختلستها لنفسها في سنه قد لا تتعدى شهر ، المرأة مهووسة بفكر العمر ولكنها لا تفكر لماذا يتسرب منها العمر سريعاً
لذلك العمر يصبح مجرد رقم لا بكمية الجمال الذي احتفظت به المرأة بل بكمية العمر الذي احتفظت به لنفسها لذلك الرجل اقل حديه وتفكير بالعمر وبالفعل ينظر له بأنه مجرد رقم والسبب لأنه لا يعنيه بماذا احتفظ في شكله بل بماذا احتفظ بعمره وانجازاته أتذكر قرأت في رواية فلسفة عن العمر من شدة جمالها ظلت عالقة في ذهني فكان يقول لها ""ما الذي نخسره إذا كبرنا قالت : الشباب ، فقال الشباب ليس ميزة في حد ذاته ، الشباب يسميه الإيطاليون لاستامينا ، النار التي تمنح القدرة على الخلق حين تخسرين هذا حينها تخسرين كل شيء""
وهذا مااريد إيصاله يصبح العمر مجرد رقم لا بقدر الجمال الذي احتفظت به بل بقدرتك على الخلق ولا يمكن أن يكون الإنسان خلاّقاً إلا بحريته ، ولا يقتصر أن تكون خلاّقاً فقط على الإبداع الفني بل تكون إبداعياً حتى في علاقتك مع نفسك ومع من تحب ، يكون لديك قدرة أن تكون علاقتكم ابداعية في معناها والإحساس بها وتلك العلاقات تحتاج إلى الاستقلالية النفسية
لا يهم كم هي مده استضافتنا في هذه الحياة بل الأهم كيف قضيناها ، بالنسبة للمرأة عالقة بالشكل الخارجي للحياة الشكل الخارجي للحياة هو استهلاكية ورعاية والسير وفق خريطة رسمها لها المجتمع ، لم تتعرف على الحياة بعمقها من خلال خياراتها
فإذا كانت البشرية جميعها تتفق على أهمية الاستقلالية المادية في تسهيل سبل الحياة بكافة اشكالها كذلك الاستقلالية النفسية لا تقل أهمية عنها ، تتدخل الاستقلالية النفسية حتى في نجاح أو فشل علاقتنا العاطفية ،اكبر محفز لفشل العلاقات بأنك تواجه شخص حياته مسيرة يقودها الكثير إلا هو ، تشعر بأنك لا تدخل في علاقة مع هذا الشخص فقط بل تشعر بأنك بعلاقة مع كل مَن يسيرون حياته ، حتى أنه يُصاب بالتشتت في خلوته العاطفية لأنه لم يتعود أن يظفر بحياة خاصة له وحده
مؤمنة جداً بأن ليس هناك عذوبة أكثر من أنك تملك حياة اخترتها أنت وشريك اخترته أنت ، عذوبة أن تروي تلك القصة لنفسك في شيخوختك وتبتسم
أحلى سنين عمرك هي اللتي تعيشها مع والديك و إخوتك تحت سقف واحد ، قبل أن تخطفهم الأيام منك ، و يستقل كل واحد منهم بحياته الخاصة ، فتتزوج الأخوات ، و ينشغل الأخ ستمر بك الأيام و تزداد وحشتك ، و تتمنى أن لو تجمعكم من جديد طاولة واحدة للطعام ، و تلفاز واحد تتشاجر بسببه مع أخواتك البنات : أنت تريد مشاهدة الكارتون ، و هن يردنا المسلسل .
نحن لا نكبُر..! نحن نخلع رداء الطّفُولة الشّفاف ثم نُخبئه في صندوق عُمرنا المُقفل، حتى إذا ما إلتقينا بمن نُحبّ أن يرى أرواحنا كما هي عفويّة وساذجة ، لبسنا الطّفُولة القديمة وعُدنا صغارًا ، نركض في شوارع الزّمن ، مُفعمين بما يسكبُهُ الحُبّ فينا من شغفٍ وشغب .
ويمر العمر.. ويبقى مطلبي الوحيد السكينة في كل شيءٍ اقصده، في المكان وفي الرفقة.. أن لا يمسّني فزع ولا شك ولا خيبة، أن تغمر الطمأنينة قلبي وتحفّه كشيءٍ يحميه