مثلما نهى النص الديني عن اداء الفرد لصلاته وهو في حال سكر فإنه أيضا لا يجوز إنسانيا أن تدخل في حوار مع انسان مثقف إلا وأنت في كامل وعيك وجاهزيتك النفسية والعقلية وخصوصا إن كان محاورك امرأة ناضجة مثقفة قارئة وكاتبة.
مجموعة من تمبلر تلتقي في مقهى أحدهم يقف عند الباب وهو متردد من الدخول، هناك ضحكات لشخص يحاول كسر الصمت .. شخص آخر صامت لا يرغب بالتحدث ولكنه يراقب الجميع، مجموعة مسرورين لهذا اللقاء المفاجأ نظرات خجل بين اثنين حديث شيق بزاوية ونقاش حاد بزاوية ثانية، شخص يرتدي قناع لا يتكلم بل يرمي قصاصة ورق لكل شخص بأوقات متفرقة (أنون)، رائحة القهوة جميلة وما زالت تزداد قوة وجمال .. شخص يقترب وبيديه صينية فيها العديد من الاكواب وخلفه أنا صانع القهوة مبتسم ومعي كأسان من الشاي لمن لا يحب القهوة.
- تفتكر الإنسان لما بيخاف من حاجة بيهرب منها ولا بيواجهها!
= يعني على حسب ايه هي الحاجة، بس فيه اللي بيواجه وفيه اللي بيهرب
- طب ليه معظمنا بيهرب من الموت؟
= يعني ايه نهرب من الموت محدش هيهرب كله هيموت
- لا بنهرب، لما بنتناساه، بنتعامل وكإنه مش هيزورنا مع اننا عارفين انه هيطولنا كلنا! مش ده اسمه هروب!
= يمكن عشان هو النهاية لكل حاجة!
- بمعنى!
= يعني نهاية لكل حلم، لكل قصة، لحبك لشريك حياتك، نهاية احساسك بالدفء وسط عيلتك، نهاية لشغفك تجاه اهداف حياتك، فعشان كدا بنهرب.. عشان هو النهاية
- كلامك صح، احنا فعلا بننسى
= بس انا مقصدش كدا..
- احنا بننسى احنا جايين الدنيا ليه في وسط ده كله، وفعلا هو كل ده ينسي، احنا جايين الدنيا عشان نحجز مكان في الجنة، مش عشان نتوه ف وسط كل ده
= ايوة ده حقيقي وكلنا عاوزين كدا
- ما دي مشكلة! اننا عايزين كدا ومؤمنين بكدا، بس تصرفاتنا مش بتكون عالأساس ده، بنتوه في صراع الحياة ونفضل عايزين لحد ما وقتنا بيخلص! ونندم في وقت مينفعش فيه الندم
= طب يعني نعتزل الحياة ونفضل مستنيين الموت ونجهزله؟
- لا طبعاً، هو ينفع حياة بلا عمل! الإنسان اتخلق عشان يعمر الدنيا دي مش عشان يهرب من مسؤولياته فيها، كل ما في الأمر انه نتصالح مع الموت ونعرف انه بداية لحياة تانية عشان الحياة متخطفناش
= يعني انت عايز ايه بالظبط! لا عاوز الناس ينشغلوا في دنيتهم ولا عاوزهم يسيبوها ويركزوا في اخرتهم!
- تسمع عن التوازن! يعني زي مانتا بتحلم انك تنجح ف شغلك عشان تترقى وكل ما تترقى بتحصل على مميزات اكتر وزيادة في الدخل وبالتالي مكانة اكبر، وطول مانت بتجتهد وقتها هتبقى في مأمن من الفقر او الفشل، اهو الآخرة شبه كدا، طول ما ربنا قدامك دايما وطول ما بتحافظ على فرائضك ومبتتعداش حدود ربك وقتها هتنجح في الظفر بمكان في الجنة وكل ما اجتهادك يزيد مكانتك هتزيد، وقتها بس مش هتسمح للموت يخوفك فتهرب وتتناساه وتسيب الحياة تلفك في دوامتها وكأن ملكش سلطان عليها! ويبقى جمعت بين دنيا ودين
أحاديثنا دائما لا تنتهي.. دائماً بعد كل حوارٍ شيقٍ يولد آخر، نأخذه معنا للبيت كهدية نعيد فتحها مرة تلو أُخرى، كهدية لا تُمل وكأنها الأولى..
دائماً يمر بنا الوقت فنستعين بلقاءٍ آخر عله يسعف الوقت الضائع من رشفات القهوة، يسعف وقتنا ونحن نختار ركن جلستنا المميز ونخاطب النادل ليعود بفناجيننا بأسرع وقت.. دائماً نطلب بتعويض للحظات الصمت القاتلة تلك التي لا معنى لها ولا تفسير.. نطلب تعويضاً لأيامنا التي لم نكن نعرف فيها بعضنا البعض..
دائماً وإلى الأبد بعد كل لقاءٍ نتمتم في قلوبنا: وللحديث بقية..
س: كان الشاعر الأرجنتيني "لوجونيس" يعتقد أن العنصر الجوهري في الشعر هو الاستعارة. ما رأيك في هذا؟
ج -بورخيس-: أظن أن لوجونيس كان مخطئا. المهم -في نظري- هو التنغيم، الإيقاع الذي وُضعت فيه الاستعارة. فلو قلنا مثلا: "الحياة حلم"، لكانت العبارة مغرقة في التجريد بحيث لا تصلح شعرا. ولو قلنا -في المقابل- ما قاله شيكسبير: "نحن من مادة كتلك التي صنعت منها الأحلام"، لكان ذلك أقرب إلى الشعر. لكن، حين يقول "فوجلفايد" : "لقد حلمت بحياتي، فهل كانت حقيقة؟"، فإن المرتبة الشعرية تتجاوز تلك التي يمكن أن نضع فيها بيت شيكسبير. ونجد في حلم "تشوانج تسو" ما يشبه بيت فوجلفايد: "حَلُم تشوانج تسو بأنه كان فراشة وحين أفاق لم يعرف هل كان رجلا حلم بأنه فراشة أو فراشة كانت تحلم بأنها رجل." ثمة شعر في هذا النص القصير. واختيار الفراشة موفق، إذ أن للفراشة طبيعة رقيقة مهلهلة ملائمة للمادة التي صنعت منها الأحلام. فلو أن تشوانج تسو اختار النمر بدلا منها، لتغير تأثير النص ولما بدا لنا نصا شعريا.
لماذا لا ينبت حوار ما بيننا رغم أني عزقت التربة وطهرتها من الأعشاب الضارة والديدان وجعلتها صالحة للزراعة وغرست فيها بذورا طيية منتقاة؟
لماذا لا يعيش لنا حوار: أهناك من عمل لنا سحرا وألقى به في خط سيرنا فعدونا عليه أم أن هناك عين حسود أصابتنا؟