“أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره إلى الأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس إلى الأمام، لم يكن ثمة سوى مقاومة وحيدة ممكنة: ألا نأخذه على محمل الجد”.
أخيراً ، رحل عام ٢٠٢٣ ، حاملاً معه الكثير من الحقائق التي كشفت زيف العالم المتحضر ، المدافع عن حقوق الإنسان والحيوان ، الديمقراطي المحترم لحرية الرأي ، الذي يرفض جرح مشاعر الشوا ذ الفاسدة ، ويغض النظر عن مقتل عشرات الآلاف من الأبرياء في فل سطين !
رحل العام الملعون ، تاركاً أمام عيوننا مشاهد الإبادة التي تعرض لها الناس العزل ، واصوات صرخاتهم التي أشعلت في أرواحنا شعور حزين لن نتخطاه أبداً ..
رحل العام الذي أظهر مدى وضاعة كل من وقف على الحياد ، او دافع عن أكثر العصابات الاجرامية في تاريخ البشر ..
رحل العام المر بصراحته ، وهو يبرز لنا حقيقة بشر كانوا يوماً لنا نجوماً مفضلين ، دافعنا عنهم ، وفضلناهم على الكثير من امور حياتنا ، واستهلكنا الكثير من وقتنا من اجل تشجعيهم ..
وحين احتجنا لكلمة منهم تساند الأبرياء في فل سطين ، ظلوا ساكتين ، صامتين ، لم يحركهم قتل الأطفال هناك ، فقط لأنهم أطفال عرب ، لا يستحقون التعاطف وفق مبدأ النجومية المزيف ..
رحل عام ٢٠٢٣ ، من دون رجعة ، ومعه رحلت من دون رجعة ، كل محاولات التطبيع الحقيرة ، والسلام المزيف ، مع العدو الذي خلق باجرامه ، جيلاً جديداً يكرهه ويكره كل منتج يدعمه ، جيلٌ سيكبر وتكبر معه مشاعر الإنتقام من كل من ساهم بقتل الأبرياء من إخوانه ، واضعاً أمامه هدفاً مصيرة التحقق ، وهو تحرير أرضه من أقذر البشر الموجودين في العالم ..
حينما توفيت امي واجتمع الناس اول يوم لتقديم العزاء دخلت غرفتها مرتان ابحث عنها لأسألها ماذا أفعل ، وفي المره الثالثه سمعت صوتاً دوى في مسمعي ونزع الحياة بداخلي احسن الله عزائكم في فقيدتكم .
أتفهم شعور أي شخص لا يشعر بـ الإرتيـاح مع فئة معينة، ولا يجد في اهتماماتهم مهم .... أو فيما يضحكهم مضحك ... وتلك ليست منقصة لهم ، ولكنها طبيعة التباين العقلي .. .. أن عدم التوافق يترك المرء في حالة من صمت الغرابة والتبرير والدفاع المستمر ..لذلك الرحيل ليس محصور علىٰ العاطفة، والقلب فقط .. .. وإنما للفكر أسبابه.
”لا تمشِ معي أكثر من خطوة إن كنا لن نكمل الطريق معًا ، لا تتركني أشاركك معاركك إن كنت لن تحتملنا نبكي معًا منهزمين ، ولا تشاركني إحدى معاركي إن كنت لن تصمد معي للنهاية!“
مضت 23 عامًا من دون أن أحقق شيء يذكر ، لا ادعي أنها كانت تعيسة و لكنني أشعر بمرارة مضيها ، أدركت أن ما أعيشه لا يمثلني بأي شكل من الأشكال ، تصر الحياة على أن تضعني في طريق الآخرين ، أعبر بهم من من ضفة الماضي إلى الحاضر ، أجدني في منتصف قصيدة أحدهم و لست في نهايتها ، و أحيانًا كنت أنا من أفقدهم سيطرتهم على حياتهم ، لذا قررت من فترة طويلة بالإبتعاد عن كل ما يمت إلى البشر بصلة ،بمجرد ما انتهي من وظيفتي أغلق هاتفي و كأني لا انتمي لهذا العالم.
كُنت على عِلم بكلّ خطوات التغيير.. في كلّ مرة استشعرت قلّة الحديث تجهزت للرحيل دونما بوح ولا إخبار .. دونما جهدٍ ، عتب أو لوم ..في كلّ مرة يتحجج لي البعض بالإنشغال .. أدركت أنه آن موعد الحسم والرحيل .
انسحبت من أيامي برغبتك حتى بلغت درجات الغربة ذهبت معك كلماتك التي أحب و حضورك الذي يبهج و إشراقك في يومي و الود في اقبالك ثم تخلّق حنين ضبابي و أخذتك الحياة حتى بت لا أجدك في روحي و ما بقي معي منك هو اللاشيء ..