“والآن سأدع صمتي يتمم كلامي وإنه لصمت قاتم الأعماق أسود النواحي.. مظلم شديد الحلك لأن شمس الحب لا تسطع فيه ، مبهم مستغلق .. موحش مقفر لأنه رسم قلب ٍ حزين”
هي بجُملتها ليس فيها من الحُسن إلا وحيٌ و تَنْزيل، و هو بجُملتِهِ ليس فيه من الحُبِّ إلَّا تفسيرٌ و تأويل، ثم هي وحْدَها القاعدة العامَّة في الجمال و هو وحدَهُ البرهانُ و الدَّليل..!
هي رسائلُ الأحزان، لا لأنها من الحزنِ جاءت ولكن لأنها إلى الحُزنِ انتهت، ثم لأنها من لسانٍ كان سِلمًا يُترجمُ عن قلبٍ كان حربًا، ثم لأنَّ هذا التاريخُ الغزليّ كان ينبعُ كالحياة وكان كالحياةِ ماضيًا إلى قبر.
لطالما حملت شيئا من السواد صحبتي أينما حللت أو أقبلت.. ظلمة يخيل إلي أنها كانت تبتلع كل شيء راوده النبض من حولي .. كانت .. و لازلت .. تتشبثت بي تشبث طفل مُعدم بمعطف المارة ليلة عيد بحثتا منه ،بين زحام الحياة، عن الحياة نفسها ، عن الإستقرار أو ما شابه .. ،
لم أستطع يوما أن أجاري الناس ، أن أنافقهم و أن أخوض مع الخائضين ، كنت أتحاشى النظر في الوجوه حتى ..مجرد حضورهم كان يربكني و يجعل من كياني يهتز و من خطواتي تعْوَج أحيانا و تتلعثم ..
لم يفارقني معطفي الثقيل هذا يوما مذ أن بلغت بي السنوات ما بلغت .. كان كل شبر منه يحمل ألما خاصا و فريدا من نوعه ، ألم إلتمسته مع كل من تقاطع طريقي بهم : مع شاب في مقتبل العمر لم يحظى بتعليم يضمن له كرامته ، مع عجوز عقيم لم تفارق الندوب قلبها .. مع شيخ لازال يكافح و يكابد من أجل لقمة العيش .. مع غنيٍ طغى فخُطفت منه الحياة خطفا ..
كنت أحس بهؤلاء جميعا دون استثناء صدِقيني ..
غير أن إحساسي بكِ كان شيئا آخر ، كُنتِ مألوفة لي بدرجة خارقة ، حتى أنكِ سرعان ما إستأثرتي بالألوان و الضياء داخل حياتي .. ويكأننا تقابلنا سابقا ، في حياة موازية هاه ؟ ، أو ربما في حياةٍ أخرى بعد أن استنسخت أرواحنا ؟ ..
فمن الويل و الخجل أن أتقبل أن هذا كان أول لقاء بيننا