إن أقوىٰ ما يبعث علىٰ انجذاب الأرواح إليك انجذابًا صادقًا هو أن تكون علىٰ حقيقتك ألا تحاول أن تستلفت أحدًا، وألا تدَّعي في نفسك صفةً ما .. أن تضيء بعيدًا عن الحشد، زاهدًا عن الصيت في ركن صغيرٍ مُتصالحًا مع نفسك متكلمًا لغة قلبك، ومُتماهيًا في صبغة روحك.
أن تتناغم مع طبيعتك كلها في ألفة تامة، لأن الطبيعة لا تتجمّل لأحد .. هي أجمل وأبدع من كل اصطناع جماليّ ، ولجاذبيتها سحر وصدق يفوق ما سواها.
سحقا لمن سولت له نفسه الخبيثة استغلال ضعف الأنثى الجسدي او العاطفي او حتى شعورها بالوحدة اوانها مظلومة في بيتها .... ليمارس عليها رجولته المغلوطة.. فيبتزها ويعنفها جسديا ونفسيا ويوقعها في برا��ن الفساد فتضيع وتهلك ويهلك معها عائلة ومجتمع.
"عزيزي، استيقظتُ هذا الصباح مليئةً بأمل التغيير، نحو حياةٍ جديدة أرسمها بيدي. إنهُ يومٌ صيفيٌ مشمس، لم أتناول الفطورَ رغم أنني استيقظتُ باكرًا. لم أكن في عجلةٍ من أمري في النزول من البيت. كان الجوُّ شديدَ الحرارة وثابتًا، لا رياحَ له. انتظرتُ الحافلةَ تحت شجرةِ الكوريزيا ككلَّ صباحٍ، فهي الشجرةُ الوحيدةُ ذاتَ الظلِّ هنا. إنَّها شجرةٌ ذاتُ جذعٍ سميكٍ غير منتظم، فهو منتفخٌ من الوسطِ رفيعَ الأطراف، أوراقُها نحيفةٌ. ما يميزُها هو أنَّ لها أشواكًا على طولِ جذعها وأفرعها، يُقالُ أنَّها تساعدُ الفيلَّ على حكِّ ظهره، كم هذا لطيف!
عندما أنظرُ إلى هذه الشجرةِ، أعرفُ كيفَ الوقتُ يمرُّ بسرعةٍ. لازلتُ أتذكرُ أغصانَها العجافَ في الشتاء وأزهرَها الورديةَ الكبيرةَ في الربيع، والآن تحملُ أوراقًا كثيفةً خضراء. تعرفتُ على هذه الشجرةِ من زوجينِ يونانيينِ كبيرينِ في العمر، كانا يمشيان وفجأة توقفا تحتها، ورافقتهما الابتساماتُ والهمسات، كأنهما استرجعا ذكرى جميلة لهما حدثت تحت هذه الشجرة. أثارَ هذا المنظرَ فضولي فبحثتُ عن هذه الشجرةِ وعرفتُ أنها شجرةُ الكوريزيا التي تنمو في المناطق الحارَّة.
أحبُّ أنْ أتأملَ هذه الشجرةَ وجمالَها الفريد. في الخريفِ عندَ تساقطِ أزهرها تغطي الشارعَ بلونِها الودي، وفي الشتاءِ عندما أكونُ منتظرةً تحتها ومرتديةً معطفي الثقيل، أرفعُ رأسي لأرى أغصانها وأنفاسي الباردة، لكن في بدايةِ الربيعِ وموسمِ هطولِ الأمطارِ لا يمكنني رؤيةَ شيءٍ منها بسببِ مظلمي. وها نحن ذا في الصيفِ والشجرةُ تتباهى بأوراقها الخضراء.
أتظن أنَّ هذه الشجرةَ تشبهني إلى حدٍ كبير؟ ستلاحظ هذا التشابهَ عندما نلتقي يومًا ما.
التواجد لساعتين في الطبيعة وسط النبت البكر والنبت المحتضر والحصاد الهشيم، وسط المخلوقات الطنانة والحياة المركبة المتسعة في كل شبر كفيل بأن يخرج الإنسان من المركزية المجحفة لروحه التي تبتليه بها الحياة الحديثة حيث تعزله مع مجموعة أشياء يستطيع التحكم بها جميعًا وتوجيه حركتها، وحينها يعود للإدراك الصادق بأنه مخلوق في ملكوت كبير لا يملكه إلا الله.