كتبت: رشا ماهر
لا أعلم ماذا أريد ولا أستطيع أن أخطط لمستقبي، هناك مليون خطة في عقلي، ولكن لا أعرف كيف أرتبها؟ عقلي مشوش لا أعلم كيف أبدأ ، ليست أدري حقًا ماذا أفعل ؟
كأني في سباق مع نفسي، روحي وعقلي في سباق وكلهما يريدان الفوز؛ ولكن على حساب من أريد أن أتخطى كل هذا الأرتباك والألم، أفقد ذاتي وأرغب بالهروب من نفسي .
في دعوة معينة كنت بلح بيها طوال شهر رمضان والأمور اتعقدت جداً وخلاص بدأت أفقد الأمل ووقفت الدعاء مش عارفة ليه امبارح افتكرت ادعي بيها تاني وسبحانه الواسع المنان انهاردة صحيت والدعوة متحققة
مكنتش مستوعبة ولا مصدقة إن ربنا استجاب لي، الحمدلله رب العالمين مجيب دعوة الداعين
إلهي كل ما أرجوه أن لا أعتاد على الأذى وأحسبه ضرورة، وأن لا أفقد حرية الرفض وأنسى أنه حق، وأن لا تكون كل الخيارات متشابهة المذاق، وأن لا يأتي الأمَل بعد أن تعتليني برودة اليأس والأمنيات.
مجرد وجود سقف فوقيك، وسرير تنام عليه، واكل لما تجوع، وعيلتك كويسة وبخير، ف صدقني انت لازم لازم تكون شاكر وممتن لأقصى حد، كل دي حاجات بتتخطف حرفياً من بشر مفيش اي فرق بينك وبينهم غير المكان اللي اتولدوا فيه، طول عمري بقول انا على بُعد خطوة من المصيبة أو النكبة اللي بتحصل لغيري، كان وارد جداً جداً انها تحصلي ومكنتش هتخيل حجم الأذى والحزن لما أفقد حاجة اساسية مش حاسس بقيمتها دلوقتي عشان اتعودت عليها، احنا رغم كل شيء ورغم كل المشاكل في زحام كبير من النعم اللي تستوجب كل الشكر والحمد والامتنان.
كتبت: إيمان عتمان.
بين الأمل والألم أفقد ذاتي، يومٌ تكون الدنيا في صالحي وتُفرش أمامي ورود الأمل وكأن السعادة خُلقت لأجلي، ويومٌ أخر تنهال المصائب من كل جانب وكأن الدنيا سُلطت لهلاكي، وبين هذا وذاك أجد نفسي في المنتصف لا أستطيع الحراك، الموت ليس بِيدي والحياة أيضًا؛ فأحيّا راضيًا ولست سعيدًا.
وحدة من أكثر الأشياء الي أكره أواجهها لمَّا أفقد عفويتي في المجلس، لمَّا أضطر أحسب حساب كل كلمة أقولها لأن اللي قبالي يفتقرون للفهم والتفهَّم.. مستعد أجلس لحالي ولا أقابل هالفئة.
قبل ولادة عمر كنت أشعر بالتهديد لأنني كنت الأخ الأصغر والمدلل الرسمي للأسرة، أدركتُ أن القادم الجديد سيأخذ مكاني وبرغم ذلك كنت متحمسًا أيضًا. سنوات ستة تفصل بيني وبين عمر زمنيًا، لذلك عندما حملته قدماه وأصبح قادرًا على المشي والزنّ كنت أنا في في فورة شقاوتي، وكما حكيت لكم سابقًا فأنا كنت طفلًا شقيًا ومشهورًا في شوارع المدينة، ألعب الكرة والاستغماية وكل الألعاب التي تعتمد على الحركة وفرط النشاط، وعمر كان يريد بشدة أن يصبح جزءًا من عالمي المليء باللعب.
يبكي عمر ويطلب من أمي النزول إلى الشارع ومشاركتي اللعب، بينما أنا سريعًا عجولًا وآخرُ ما أحتاج إليه هو تعطيلٌ بشري على هيئة طفل صغير ولما كان عمر هو فتى البيت المدلل الحالي فقد ربطت أمي نزولي الشارع باصطحابه معي على شرط أن نلعب أمام العمارة حتى يتسنى لها رؤيتنا من البلكونة والاطمئنان على عمر بالطبع.
إطلاق السراح المش��وط هذا جعلني في ورطة، جعل معاناتي شديدة، فطبيعة عمر الهادئة البطيئة والتي هي عكس طبيعتي تمامًا أثارت جنوني، فمثلًا أنا أنزل السلالم قفزًا ومهارتي في القفز على السلالم مهولة، كنت أتحدى نفسي كل يوم لأزيد القفزة درجة سلم جديدة وعمر كان يخطو على السلالم درجة درجة هادئًا كسحابة.
ينزل عمر معي إلى الشارع وأنا عينٌ على الكرة وعينٌ عليه، وعينا أمي علينا من أعلى، من بلكونة الدور الرابع. بالطبع فسدت متعة اللعب ولهذا اتخذت قرارًا حاسمًا، لن أنزل الشارع، سأقضي الصيف اقرأ، هذا قرارٌ نهائي. لا حاجة لي بإخباركم أنني تراجعت عن القرار النهائي في خلال يومين.
ينزل عمر معي مرة أخرى إلى الشارع ولكن هذه المرة محمولًا على كتفيّ، وبينما كانت هذه الطريقة هي الحل المثالي الذي أنتجه عقلي كي لا أفقد المرح، كانت أيضًا بداية فصل جديد من طفولة عمر، محمولاً على كتف أخيه، يرى العالم من أعلى. نقفزُ على السلالم سويًا ويضحك هو بهيستيريا، نلعب معًا الكرة وكل الألعاب الأخرى، بالطبع كان المرح من نصيبه وانخفاض السرعة من نصيبي. يصبح الأمر اعتياديًا وأصبح أنا أكثر قوة ويصبح مشهدنا معتادًا في شوارع المدينة، فتى يحمل أخاه ويلعب الكرة، كيف أصبح هذا المشهد اعتياديًا والله!
تأخذنا طبائعنا المختلفة إلى مسارات مغايرة، يكبر عمر ليصبح أكثر هدوءًا وأكثر اتزانًا وأوسع صدرًا، تأخذني الدنيا والتجارب الجديدة لأعود إلى المنزل وأجد عمر هادئًا طيبًا باسمًا. أتعجب! أقول في نفسي أنا أعيش حياةً أفضل، مليئةً بالتجارب، أتمنى لو يختبر ما أختبره ويستمتع بما أستمتع به، ولكنه يختار دائمًا العودة إلى المنزل وقضاء الوقت في مشاهدة الأنمي.
يقضي عمر كل المشاوير الأسرية بلا ضجر ولا تأفف، ويعتمد عليه الجميع في كل شيء وتبقى ابتسامته و"من عينيا" هما الرد على كل تكليف بمهمة جديدة.
بينما نتمشى مساءً في شوارع المدينة يقول عمر فجأة وبلا أي سياق " عارف يا عبودة، أنا ساعات بصحى من النوم وافتكر انك اخويا وبتبسط أوي. مش متخيل حياتي كانت هتبقى إزاي لو انت مش اخويا" يزلزني قوله ولكنني أتماسك أحاول إحاطته بذراعي ولا أستطيع فهو الآن أطول مني بكثير.
يرى عمر أنني أستطيع فعل أي شيء وأنني الأكثر شطارة في كل شيء. ولكنه لا يعرف أنني أراه استثائيًا، وأنه أطهر من عرفت. محبتي لعمر جارفة، تنكشني أختي الصغيرة ضاحكة وتقول "إنت بتحب عمر أكتر" هذا خطأ، أحبهم كلهم بنفس القدر ولكن عمر يكملني بشكل ما، كأننا قطعتا بازل.
في مرة كنت أتمشى وحيدًا وذكرتُ عمر ثم فجأة وبلا مقدمات أنتج عقلي فكرة شديدة السواد، ماذا لو مات عمر؟ حاولت إبعاد الفكرة عن ذهني ولكن الفكرة تشعبت واسترسلت وتخيلت الحياة بدونه وانقبض قلبي وانخفض ضغط دمي وجلستُ على الرصيف ممتقع الوجه. لماذا يفعل عقلي بي هذه الأشياء والله؟ ما علينا.
عندما بدأت ممارسة رياضة الـ Calisthenics طلب مني عمر أن يأتي معي، وبالفعل أتى وطبعًا تفوق عليّ. أصبح أكثر رشاقة وجسده أكثر أناقة وأكثر خفة ومرونة. أنظر إليه وهو يتمرن على العُقلة بيد واحدة وأقول يابن اللذينة! لما ارجع من الإصابة هعديك يا رجولة. ليبتسم هو ويقول إنت كده كده على وضعك يا بودي.
يقول عمر، أنا مكسوف اني اقول لك كده ومكانش نفسي ده يحصل والله. يبدو عليّ القلق وأقول، إيه اللي حصل؟ يقول أنا عايز اخطب ومكنتش عايز اعمل كده قبلك والله. يبدو عليه الحرج الشديد بينما أضحك أنا بشدة
أذهب إلى منزلي وأخرج قميصي المفضل ثم أذهب إليه وأخبره أن القميص هدية خطوبته، خلي بالك ياض القميص ده غالي أوي وهفضل اذلك بيه للأبد، يبتسم عمر، حبيبي يا بودي. وكالعادة القميص عليه أحلى بكتير.
في واحدة من زياراتي المعتادة لأهلي كل جمعة يقول عمر، ما تيجي توصلني عند خطيبتي، أقول ماشي هستناك في العربية. أنتظر في السيارة لينزل عمر في القميص الذي أهديته إياه، أنيقا رشيقًا فتيًا مبتسمًا، يحمل في يديه علبة حلويات وبوكيه ورد صغير ولكن غاية في الأناقة. لم أستطع منع نفسي من الابتسام طوال الطريق وبينما أنا عائدٌ إلى المنزل تساءلت، كيف تخيلت الفتى ميتًا ولم أتخيله عريسًا!
"اللهم إني أعوذ بك من أن أفقد شغفي ومصادر بهجتي وحبي للحياة أعوذ بك من درب أسير فيه بلا جدوى ومن حلم أتعلق به ليس لي ومن زرع أتعب عليه بلا ثمر من يأس يُخيم علّي ومن حزن يحجب النور عن عيني."
"عندما أكون وحيدًا، يمكنني التفكير في أنواع مختلفة من الملاحظات الذكية، والردود السريعة على ما لم يقله أحد، ولمحات من الحيوية الجماعية مع أي شخص. ولكن كل ذلك يختفي عندما أواجه شخصًا في الحقيقة: أفقد ذكائي، ولا أستطيع الكلام بعد الآن، وبعد نصف ساعة فقط أشعر بالتعب. التحدث إلى الناس يجعلني أشعر بأنني أريد النوم. فقط أصدقائي الخياليون والشبحيون، وفقط المحادثات التي أجريها في أحلامي، هي حقاً حقيقية وجوهرية".