Tumgik
#فيض الخاطر
ultimoquarto · 5 months
Text
(١) الرأي والعقيدة
فرق كبير بين أن ترى الرأي وأن تعتقده؛ إذا رأيت الرأي فقد أدخلته في دائرة معلوماتك، وإذا اعتقدته جرى في دمك، وسرى في مخ عظامك، وتغلغل إلى أعماق قلبك.
ذو الرأي فيلسوف، يقول: إني أرى الرأي صوابًا وقد يكون في الواقع باطلًا، وهذا ما قامت الأدلة عليه اليوم وقد تقوم الأدلة على عكسه غدًا، وقد أكون مخطئًا فيه وقد أكون مصيبًا. أما ذو العقيدة فجازم باتٌّ لا شك عنده ولا ظن، عقيدته هي الحق لا محالة، هي الحق اليوم وهي الحق غدًا، خرجَت عن أن تكون مجالًا للدليل، وسَمَت عن معترك الشكوك والظنون.
ذو الرأي فاتر أو بارد، إن تحقق ما رأى ابتسم ابتسامةً هادئةً رزينةً، وإن لم يتحقق ما رأى فلا بأس، فقد احترز من قبل بأن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ورأيَ غيره خطأ يحتمل الصواب. وذو العقيدة حار متحمس لا يهدأ إلا إذا حقق عقيدته؛ هو حرج الصدر، لهيف القلب، تتناجى في صدره الهموم، أرق جفنه وأطال ليله، تفكيره في عقيدته، كيف يعمل لها، ويدعو إليها؛ وهو طلق المحيا مُشرِق الجبين، إذا أدرك غايته، أو قارب بغيته.
ذو الرأي سهل أن يتحول ويتحور، هو عبد الدليل، أو عبد المصلحة تظهر في شكل دليل. أما ذو العقيدة فخير مظهر له ما قاله رسول الله: «لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الذي جئت به ما تركته»، وكما يتجلى في دعاء عمر: «اللهم إيمانًا كإيمان العجائز».
لقد رووا عن «سقراط» أنه قال: «إن الفضيلة هي المعرفة». وناقشوه في رأيه، وأبانوا خطأه، واستدلوا بأن العلم قد يكون في ناحية والعمل في ناحية، وكثيرًا ما رأينا أعرف الناس بمضار الخمر شاربها، وبمضار القمار لاعبه؛ ولكن لو قال سقراط: إن الفضيلة هي العقيدة، لم أعرف وجهًا للرد عليه: فالعقيدة تستتبع العمل على وَفقها لا محالة — قد ترى أن الكرم فضيلة ثم تبخل؛ والشجاعة خيرًا ثم تجبن؛ ولكن محال أن تؤمن بالشجاعة والكرم، ثم تجبن أو تبخل.
العقيدة حق مشاع بين الناس على السواء، تجدها في السذج، وفي الأوساط، وفي الفلاسفة — أما الرأي فليس إلا للخاصة الذين يعرفون الدليل وأنواعه، والقياس وأشكاله؛ والناس يسيرون في الحياة بعقيدتهم، أكثر مما يسيرون بآرائهم؛ والمؤمن يرى بعقيدته ما لا يرى الباحثُ برأيه، وقد مُنح المؤمن من الحواس الباطنة والذوق ما قصر عن إدراكه القياس والدليل.
لقد ضلّ من طلب الإيمان بعلم الكلام وحججه وبراهينه، فنتيجة ذلك كله عواصف في الدماغ أقصى غايتها أن تنتج رأيًا؛ أما الإيمان والعقيدة فموطنهما القلب، ووسائلهما مدّ خيوط بين الأشجار والأزهار والبحار والأنهار وبين قلب الإنسان؛ ومن أجل هذا كانت أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أفعل في الإيمان من قولهم: «العالم متغير وكل متغير حادث»؛ فالأول عقيدة والثاني رأي.
الناس إنما يخضعون لذي العقيدة، وليس ذوو الرأي إلا ثرثارون، عنوا بظواهر الحجج أكثر مما عنوا بالواقع، لا يزالون يتجادلون في آرائهم حتى يأتي ذو العقيدة فيكتسحهم.
قد يجود الرأي، وقد ينفع وقد ينير الظلام، وقد يُظهر الصواب؛ ولكن لا قيمة لذلك كله ما لم تدعمه العقيدة، وقَلَّ أن تؤتَى أمه من نقص في الرأي، ولكن أكثر ما تُؤتَى من ضعف في العقيدة، بل قد تؤتى من قِبَل كثرة الآراء أكثر مما تؤتى من قلتها.
الرأي جثة هامدة، لا حياة لها ما لم تنفخ فيها العقيدة من روحها، والرأي كهف مظلم لا ينير حتى تلقِي عليه العقيدة من أشعتها، والرأي مستنقع راكد يبيض فوقه البعوض؛ والعقيدة بحر زاخر لا يسمح للهموامّ الوضيعة أن تتولد على سطحه؛ والرأي سديم بتكوس، والعقيدة نجم يتألق.
ذو الرأي يخضع للظالم وللقوي؛ لأنه يرى أن للظالم والقوي رأيًا كرأيه، ولكن ذا العقيدة يأبى الضيم ويمقت الظلم؛ لأنه يؤمن أن ما يعتقده من عدل وإباء هو الحق، ولا حق غيره.
من العقيدة ينبثق نور باطني يضيء جوانب النفس، ويبعث فيها القوة والحياة، يستعذب صاحبها العذاب، ويستصغر العظائم، ويستخف بالأهوال؛ وما المصلحون الصادقون في كل أمة إلا أصحاب العقائد فيها.
الرأي يخلق المصاعب، ويضع العقبات، ويصغي لأماني الجسد، ويثير الشبهات، ويبعث على التردد؛ والعقيدة تقتحم الأخطار، وتزلزل الجبال، وتلفت وجه الدهر، وتغير سير التاريخ، وتنسف الشك والتردد؛ وتبعث الحزم واليقين، ولا تسمح إلا لُمرَاد الروح.
ليس ينقص الشرقَ لنهوضه رأي، ولكن تنقصه العقيدة؛ فلو منح الشرق عظماء يعتقدون ما يقولون لتغير وجهه وحال حاله، وأصبح شيئًا آخر.
وبعدُ، فهل حُرِم الإيمان مهبط الإيمان؟
2 notes · View notes
jehadfathhy8 · 2 years
Text
" القلب لا يكذب أبدًا ، واللسان لا يصدق إلا قليلاً "
5 notes · View notes
jawak · 3 months
Link
لا يكفي التباهي بجمع الكتب دون أن يصاحب ذلك انتفاع بها بالقراءة والمطالعة...
0 notes
meshkatiiii · 5 months
Text
مشكاة صحب||
Tumblr media
Paula Berteotti, Angola, 2021
هل لاحظت مرة جماعة من الموسيقيين يوقِّعون قطعة موسيقية على آلات مختلفة من عود وقانون وناي ورق، فيتوافق الإيقاع ويتناغم وينسجم، حتى كأن الآلات المختلفة آلة واحدة في ارتفاعها وانخفاضها، وجهارتها ورقتها، وبدئها وانتهائها؟
وهل رأيت مرة نجارًا دقيقًا يصنع ما يسمَّى في النجارة «بالعاشق والمعشوق»، فيؤلِّف بين الأسنان في قطعة ومكان التحامها في القطعة الأخرى، حتى إذا تعاشقتا كوَّنتا ما يشبه القطعة الواحدة، بل أمتن وأقوى؟
تلك هي الصداقة؛ مزاجان متناسبان ولا أقول متحدين، وغرضان متناسبان ولا أقول متحدين أيضًا، فلا بد من التنوع؛ كالتنوع بين نغمة العود والقانون، والتنوع بين العاشق والمعشوق، ولكن هذا التنوع يعتمد على ذوقين متشابهين كتشابه ذوقي العوَّاد والقانوني، ولا بد أن يُدعَم هذا كله بالتناسب في المركز الاجتماعي، واستعداد كلٍّ للسير على قانون الأخذ والإعطاء، لا الأخذ من جانب والإعطاء من جانب، فهذه شروط لا بد منها في دوام الصداقة وإلا كانت عرضة للتفكك السريع.
ومن التناسب في الصداقة ما نرى من غَضوب يصادق حليمًا، ومَرِح يصادق رزينًا، ونشيط يصادق خمولًا، وثرثار يصادق مقلًّا؛ فإن في هذا تناسبًا لا اتحادًا؛ كأن كلًّا يشعر بناحية من نواحي نقصه، أو من نواحي مبالغته، ويجد في الآخر ما يكمل نقصه، أو يحد من مبالغته فتكون الصداقة.
ونلاحظ في الحياة اليومية أن بعض الأشخاص سريع الصداقة، سرعان ما يألَف ويؤلَف، وأشخاصًا آخرين لا يألَفون إلا ببطء ولا يؤلَفون إلا ببطء، ويرجع ذلك في الغالب إلى طبيعة النفوس؛ فهناك نفوس مكشوفة تُعرف بمجرد النظر إليها؛ كالماء الخفيف الصافي يظهر ما تحته، ليس بين ظاهره وباطنه إلا نسيج شفاف لا يحجب ما وراءه، وهناك نفوس غامضة لا يدل ظاهرها على باطنها، وقد سُتِرتْ بنسيج كثيف، أو غطِّيت بطبقة سميكة لا تظهر إلا بعد طول المراس، بل كثيرًا ما يدل ظاهرها على خلاف باطنها، ومن هذا قد يُكرَه الشخص ثم يُحبُّ، ويعادي ثم يصادق؛ لأن نفسه لم تنجلِ لأول وهلة، إنما تنجلي بالمران والاحتكاك واختلاف المواقف ومواطن الجد التي تُظهر النفوس على حقيقتها.
والصداقة كالبذرة توضع في الأرض، فإن صادفت تربتها الصالحة، وغذِّيت الغذاء الصالح، وتعهَّدها صاحبها بما يناسبها، كبرت ونمت وصارت شجرة يانعة، وإلا ماتت في مهدها أو في أثناء نموها؛ كذلك الصداقة قد تكون بنت ساعة، وبنت شهر، وبنت سنة، في المواقف الحرجة.
وبعد، فالصداقة نعمة من أكبر نعم الحياة، ومن رُزق صديقًا وفيًّا فقد رُزق كنزًا ثمينًا هو خير من الأخ الشقيق؛ إذ لا قيمة للأخ إلا إن كان صديقًا، هو نور في الظلماء، وعدة في البأساء، وأنس من وحشة، وفرجة في كربة.
والصداقة الصادقة علامة في الأخلاق؛ إذ هي امتزاج الأرواح، وتعانق النفوس، وفيض من إخلاص، ودرس في التضحية، ومن تهيَّأت نفسه للصداقة تهيَّأ للخير يفيضه على الناس.
وأدنى حدود الصداقة أن يسوءك ما يسوء صديقك، وأن يسرُّك ما يسرُّه، وأعلاها ألا تعدَّ نفسك شيئًا بدونه، ولا يعدَّ نفسه شيئًا بدونك، وأن ينبض قلبك بما ينبض به قلبه، وأن تتناغم مشاعرك ومشاعره.
فيض الخاطر
0 notes
muha-mmed · 11 months
Note
وكمان كنت جنبي ؟ :D
اشرح لي أكتر بتترقّب ازاي؟
وبتقرأ ايه؟
بسألك كتير اهو عشان كنت زمان بتتهمني اني مبفتحش مواضيع :D
أنت من سكان زايد بقى
مترقب من بعيد يعني شايف مواضيع كتير منتشرة ومش عايز أعلق، يمكن تويتر منتشر عليه النقاشات يا صديق D: بقرأ كتاب نظرية السعادة بين الغزالي وابن تيمية وجزء من فيض الخاطر لأحمد أمين
مبعرفش أقرأ في كتاب واحد عادة سيئة لكن صعب معملهاش لا مش بتهمك خالص والله أنا بحسك عندك مواضيع بس بتسكل تفتحها تقريبا :D
0 notes
ahmadkhader · 5 years
Text
Tumblr media
97 notes · View notes
mryousiff · 5 years
Text
Tumblr media
70 notes · View notes
hayalmuhaidib · 4 years
Note
ياليت لو تذكري اسم الكتاب اللي نقلتي منه هذا الاقتباس"ولا شي يبعث الضجر والندم كمعيشة الانسان لنفسه فقط" شكراً🌸
فيض الخاطر - أحمد أمين
10 notes · View notes
aleda127 · 3 years
Text
في فيض الخاطر قال أحمد أمين: رمتني الأنسة《بأن لا قلب لي، وإن كان فليس يخفق》لأني كتبت موضوعًا في مجلة الرسالة عنوانه《أدب القوة وأدب الضعف》سميت فيه الأدب الذي يضعف النفس ويمرض العاطفة أدبًا ضعيفًا مائعًا. لك الله يا آنسة! أفتدرين أن أشنع سُبة يسب فيها الإنسان: أنه لا قلب له؟ وهل المرء إلا قلبه؟.
عميق هذا التساؤل " وهل المرء إلا قلبه؟ "
1 note · View note
Text
" ‏فخذ الحياة كما هي، ليل ينقضي في إثر ليل، وقوم في إثر قوم، وحادث يستذرف الدمع، يعقبه حادث يخفف الهم . "
أحمد أمين | فيض الخاطر .
1 note · View note
ultimoquarto · 5 months
Text
(٦) المادةُ لا تنعدمُ
هكذا يقول علماء الكيمياء ويشرحون قولهم، ويبرهنون عليه، ويرون أن المادة تتغير وتتحول وتعود إلى عناصرها الأولى، ولكن لا تنعدم؛ والعالم كله كساقية جُحا، تغرف من البحر، وتصب في البحر؛ فقد يحترق هذا المكتب الذي أمامي، لا قدر الله، ولكنه لا ينعدم، بل يتحلل إلى عوامله الأولية، وسيتغذي منها النبات، ويتكون منها خشب جديد، قد يكون مكتب المستقبل.
قال الكيميائيون ذلك، وقصروا قولهم على المادة؛ لأنها مادة عملهم، وموضوع تجاربهم.
ولو عَرَض لهذا فيلسوف واسع النظر، غير محدد البحث، لقال: «لا شيء ينعدم».
إن الأعمال من خير وشر لا تنعدم، بل تنمو وتتحول، وتؤثر وتتأثر، ولكن على كل حال لا تنعدم. إن كذبة واحدة تكذبها على أولادك في بيتك — من غير أن تعيرها اهتمامًا — لا تنعدم، فسوف تبيض وتفرخ وتنتج كثيرًا من أمثالها، وسوف يكذب أولادك، وستخرج الكذبة من حجرتك إلى سائر بيتك، وستخرج من بيتك إلى المدرسة، وستخرج من المدرسة إلى مصالح الناس ومعاملتهم، فكيف تنعدم؟
قد يدق العمل ويصغر حتى لا تراه أعيننا، ولا تسمعه آذاننا، ولا تشعر به نفوسنا؛ ولكنه موجود، يعمل عمله في هذا الوجود، ويفعل وينفعل، ويتسع نطاقه، ويعمل في دوائر مختلفة قد لا تخطر بالبال؛ وما أظنك تجهل أن حصاة ترميها في البحر الأبيض المتوسط لا بد وأن يتأثر بها المحيط الأطلنطي، وإن لم تر ذلك عيوننا؛ والدليل على ذلك بديهي، فلو كبرت هذه الحصاة ملايين المرات، أفلا تؤمن بهذا الأثر؟ إذًا فآمن بأن هذه من تلك، وعلى نسبتها ومقدار حجمها. وجزء من ألف من الشعرة له ظل حقيقي، وإن لم تره عيوننا، ولولا ذلك لما كان لألف ألف شعرة ظل، ولما كان لثوبك الذي تلبسه ظل.
وعملك الخير مهما صغر، له أثره في أمتك مهما صغر، أعلنته أو أسررته، نجحت فيه أو فشلت، علم الناس أنك مصدره أو لم يعلموا؛ وهل مقياس رقي الأمة وانحطاطها إلا عبارة عن عملية حسابية مركبة من جمع وطرح، جمع لما صدر منها من حسنات، وطرح لما صدر من سيئات؟ لتكن هذه العملية أشد ما تكون من صعوبة، ولتحتج إلى ما شئت من آلات دقيقة للجمع والطرح، فإن طريقة الحل لهذه المسألة في منتهى البداهة.
وليس الأمر مقصورًا على الأعمال؛ فإذا قلنا: «الأعمال لا تنعدم» فهو تكرير لقول الطبيعيين «المادة لا تنعدم»، وهل الأعمال إلا نوع من المادة؟
بل الأفكار والآراء من هذا القبيل، فالفكرة لا تنعدم، والرأي لا ينعدم؛ فإذا دعوت إلى فكرة، أو جهرت برأي، فقد أخرجت إلى الوجود خلقًا جديدًا ينطبق عليه القانون العام؛ قد ينجح الرأي وتعتنقه الأمة، بل يعتنقه العالم، وتظهر آثاره في أعمال الناس وحياتهم ونظامهم فتسلم معي بأنه لم ينعدم ولكنه قد يفشل؛ وقد يستعمل الناس في اضطهاده وحربه كل أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، والرفيعة والوضعية، حتى يختفي ولا يظهر في الوجود، فتظن إذ ذاك أنه انعدم، وهو ظن غير موفق؛ فقد يخفى ليعود إن كان صالحًا، وقد يحدث قبل أوانه، فيستتر وينكمش، ويبقى حيًّا يتغذى في الخفاء، وتنميه الأحداث، حتى إذا تم نموه، وتهيأ الناس له، برز إلى العيون ثانية أو ثالثة، وهو أصبر على مقاومة الحرب، وأقوى على مصارعة الباطل، حتى يكتب له النجاح — وحتى إذا كان الرأي فاسدًا سيئًا لا يصلح لحال ولا لمستقبل فليس مما ينعدم، إنما هو يتحول ويتحور، كلوح خشب لا يصلح بحالته أن يكون شُباكًا فينجر، أو لوح زجاج ليس بالحجم الذي تريده فيصغر، أو حديدة لا ينساب شكلها وحجمها فتوضع في قالب جديد بعد أن تصهر؛ وهكذا في الرأي يغير ويعدل، ويطعم بآراء أخرى حتى يخرج خَلقًا آخر، ولكنه في كل ذلك لا ينعدم. وفرق كبير بين أن نقول: فشل الرأي وفشل المشروع، وأن تقول: انعدم الرأي وانعدم المشروع. فالفاشل موجود والمعدوم معدوم، وشتان بين الموجود والمعدوم. فالرأي الفاشل أو المشروع الفاشل شيء حي قد تلقى درسًا من الفشل ليصبح بعدُ رأيًا قويمًا ومشروعًا ناجحًا، وهذا لا ينطبق على المعدوم.
بل أذهب إلى أبعد من ذلك، وأرى أن العارض يمر على النفس، أو الخاطر يخطر بالذهن، لا يضيع ولا يذهب سدى ولا ينعدم، وإنما هو دخان قد يكون بعدُ سديما، ثم قد يكون السديم كوكبًا يلمع أو نجما يتألق، وقد يكون على العكس من ذلك صاعقة تحرق، أو وميضًا خلبًا يبرق؛ وعلى الحالين فسيكون مولودًا جديدًا، شقيًّا أو سعيدًا. أليس كثير مما يعترينا — من حزن يسبب الكسل والخمول والَملَل، أو فرح يدعو إلى العمل — سببه طائف مجهول طاف بالنفس، وخطرة متنكرة خطرت لها، فغيرت حالها وكيَّفتها تكييفا خاصًّا في هذا الوجود؟ أوليس كثير من الآراء التي أسبغت على هذا العالم نعمًا، وكثير من المشروعات التي عم الناس خيرها وشرها، بدأت خطرة ثم كانت فكرة، ثم أصبحت بعدُ عملًا؟ أليس مما يكون الإنسان خطراته، فهو خير أو شرير بخطراته، وهو بائس أو منعم بخطراته؟ ولو كشف عنا الحجاب لقرأنا في صفحات الإنسان خطًّا عميقًا خطته في نفس الإنسان خطراته وآراؤه، وهو أدل على الإنسان من مظاهره الكاذبة، ومناظره الخارجية الخادعة.
وعلى الجملة فإن قال علماء الكيمياء: إن المادة لا تنعدم، فكل ما في الوجود يقرر أن «لا شيء ينعدم». إن كان هذا حقًّا فويل للخير يقصده عن الخير أنه لم ير بعينه آثار عمله، وويل للخير صرفه عن خيره نكران الجميل وجحد المعروف، وويل للمجد عدل به عن جده أن لم يسبح الناس باسمه، ويشيدوا بذكره، ومرحى لمن كان مبدؤه «الخير للخير، ولا شيء ينعدم».
0 notes
jehadfathhy8 · 2 years
Text
لعل أجمل الأحياء الإنسان، ولعل أجمل ما في الإنسان عيناه، فإذا كان لكل شيء خلاصة فخلاصة الإنسان عينه، هي مستودع سره، وهي النافذة التي يطل منها غيره على ما في أعماق نفسه، وهي الترجمان الذي يعبر أصدق تعبير عما يجول في نفسه من عواطف. تَعِد وتُوعِّد، وترغِّب وترهب، وترسل مرة شواظًا من نار، ومرة شآبيب من عطف وحنان، تقسو وترحم، وتُنعم وتؤلم، وتصل وتصد، وتقْبل وتَنفِر، وتَعجَب وتحتقر، وهي في كل موقف من هذه المواقف تتخذ لها وضعًا يناسبه، وشكلًا يوائمه؛ تتلون ولا تلون الحرباء، وتتشكل ولا تشكل الحسناء، في الأزياء. هي للمرأة أقوى سلاح، وفي روايات الحب أمهر لاعب، وفي مرسح الغزل أشهر ممثل، وفي ميدان الأدب أبرز جائل وصائل.
- أحمد أمين
1 note · View note
xnag · 5 years
Text
Tumblr media
كتاب فيض الخاطر.
3 notes · View notes
dayatalmstqbl · 5 years
Text
*🕋 رســـــــــائـل الفجــر 🕋*
*✍🏻‏قال ابن الجوزي رحمه الله: *
الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله؛ فإنه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربه؟ ولا يدري متى يستدعى؟
وإني رأيت خلقًا كثيرًا غرهم الشباب، ونسوا فقد الأقران، وألهاهم طول الأمل . {📕صيد الخاطر 29-28{
‏ــــــــــــ ❁ ❁ ❁ ❁ ــــــــــــ
*‼لاتعلق قلبك بغير الله..*
‏"فالله يملك الأبواب كلها، بعيدها وقريبها، عسيرها ويسيرها،إن شاء فتح كل أبوابه لك في لحظة، وإن شاء أغلقها عليك في لحظة،إن شاء أن يعطيك سيعطيك،ولو كان بينك وبين عطائه ألف باب..وإن شاء مرّر إليك لطفه من حيث لا تحتسب،وإن شاء ساق لك رزقك ولو على يد أعدائك.."
‏ــــــــــــ ❁ ❁ ❁ ❁ ــــــــــــ
*◾كــن علـى حــذر ..*
‏"أكثر ما يُدخل الموحدين النار مظالمُ العباد" .{📕فيض القدير" للمناوي ٣/ ٥٦٥}
3 notes · View notes
muha-mmed · 2 years
Text
إن الصعاب في الحياة أمورٌ نسبية، فكلّ شيء صعب جدًّا عند النفس الصغيرة جدًّا، ولا صعوبة عظيمة عند النفس العظيمة. وبينما النفس العظيمة تزداد عظمة بمغالبة الصعاب.
- أحمد أمين | فيض الخاطر
34 notes · View notes
itsomarfarrag · 5 years
Text
رحمة الله عليه فقد حطم بعضه البعض ومضى قتيل روحه وشهيد نفسه.
أحمد أمين (فيض الخاطر)
1 note · View note