Tumgik
#سايكولوجية سايكولوجي
noirbeduzz · 10 months
Text
... ولأنَّ الأصَابِعَ قدْ صَابَهَا شَلَلٌ من الكِتَابة نتيجَةِ القُيودِ المَفروضَةِ منْ صَاحِبَ النِّيَافَةِ العَقْلِ، فإنَّ ورَاءَ نِيَافَتِه كيانٌ خَفِيٌ لا يَقوَى هوَ على قيْدِ تَحرُّكَه وفرْضِ إنذَارِه عليهِ، إنَّهُ كَيَانُ اللاوَاعيَ، أو "اللاشُعور" أو بِبَساطَة، العقلَ البَاطِنيُّ، حيثُ تُودَعُ فيهِ لاحِقًا كُلَّ الفائضَ من المشَاعِرِ والأفكَارِ بمُخْتَلَفِ الرُتَبِ، والَّذي يَعتَقِدُ الإنسان أنَّها وحَسْب، تتحوَّل إلى رَمَادٍ في مَهبِّ النِسْيَانِ، وهو إعتقادٌ خَاطئٌ جدًا.
بعدَ إعادَةِ الترتيبِ والتَأويلِ، يُعيدُ اللاوَاعيَ سَرْدَهُ بِوَاسطِةِ مِسْلاطٍ غيْرَ مَرئيٌّ أثنَاءَ فترةِ النومِ على هَيْئةِ مرْئيَّاتٍ حيِّة لها تأثيرٌ قويٌّ على شُعورِ صَاحبِهِا، سَعيًا في إسْعافِهِ وإنقاذِه من الذِّهانِ والعِلَلِ النفسيِّةِ، ولأنَّ البديلَ من التنفيسِ بكلِّ أنواعَه الَّتي يقترِحُها العقَلِ الوَاعي صاحبَ النيَّافةِ غيرَ قابلة للتنفيذِ، لأنه إمَّا مُعلَّقٌ أو تمَّ شلُّه، كانَ التنفيسُ الخيَاليُّ في المَنامِ الذي لَجأ إليهِ الكيانُ الخَفيِّ آخَرَ الحُلولِ الإضطِّرَاريَّة.
تلكَ المَرئيَّاتِ مُرَادِفَهُا: "الحُلمِ" أو "كَابُوسٍ" ... ولأنَّ سَرْدَ الكَوابيسَ لا تأتِيَ فَرَادَى، مُتسَلسلةٌ بشكلٍ مُنتَظَمٍ يوميًا وفي التَوقيتِ ذاتَه، كمَا لو أنَّها حلقَاتُ برنَامِجٍ مَرئي من تَصْنيفِ للبَالغينَ، ومنْ خِلالِ مَا رأيْتُ من سَردِ اللاواعيَّ عَلَيَّ، أفَهَمُ جيدًا أنَّها نابِعة من دَاخِلي تمامًا.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، ١٩ أغسطس ٢٠٢٣
16 notes · View notes
noirbeduzz · 10 months
Text
يتمَّ إحداثِ الخللِ في البُنيَّةِ النفسيَّةِ للأطفالِ يوميًّا داخِلَ المَنَازِل وخَارِجها دونَ وعيٍّ منْ قِبلَ الأسرةِ ودونَ إدرَاكٍ عن حجمِ العَواقِبِ المُؤثِّرة على المَدى البَعيدِ. ظنًّا من المُنشِئ أن أساليبَ الإنشَاءِ صَحيحةٌ وسَليمة. ثمَّةَ جوهَرَةٌ قابعة دَاخِلَ كلَّ إنسانٍ قد تمَّت سَرِقَتهُا بالتَّدريجِ في المَراحِلَ المُبَّكرةِ من حياتهِ، إمَّا عن قصدٍ أو دونَهُ، يُنتِجُ في المُستقبَلِ إنسانٌ يَشعرَ بأنَّ ثمِّة فجوةٌ في داخِلِه، ليسَعى بعدها لإستِعادَتِها بطُرقِهِ وأساليبهِ الخاصِّة ويُعبِّرَ بها عن هويَّتِه.
على مَرِّ الأزمِنَةِ يَتمُّ وصفَ الجيلِ النَاشِئ بالهَشَاشَةِ والحسَاسيِّةِ، إذْ أنَّ هذهِ ليسَت ظَاهِرَة حَديثَة، بلَّ تَوارَثتها الأجيَالُ. مثلاً نظرةُ جيلِ آواخِرِ القرنِ التَاسِعَ عشَرِ تجاهَ جيلِ مطلعِ قرنِ العشرين نظراتٌ تَشوبُها التقليلَ والتهكُّمَ، ثمَّ تنتَقلَ النظرَةِ للجيلِ الذي يَليهِ تجاهَ الجيلِ النَاشِئ الحديث. لِتنتهي المَسيرةِ بإعتِرَافِ الأبَاءِ تجاهِ ذويّهُم: "لم يُعلِّمُنا أحدٌ كيفيِّةِ التربيِّة بشكلٍ مِثَالي."
في الواقع، إنَّ اللومَ هُنا لا يَقَعُ على الجيلِ الهشِّ مهمَ كانَ حجمَ السُّوءِ النَابِع منه، إنما على عاتِقِ المَسؤولِ عن ظهورِ جيلٍ هشِّ ضعيفُ الإرادَةِ، فضلاً عن التَّحدَّثَ عنِ التأثيراتِ الإجتماعيّة أو الإقتِصَاديّة، إنما أتحدَّثُ عنِ الجانبَ الفَردي ومآثره على الذاتِ والمُجتمَعِ نتيجةِ تأثيراتٍ سِلبيِّة من قِبَل الأسرةِ، من خلالِ سوءِ إنشَاءِه مُستَعينًا بأساليبَ إمَّا إرتِجَاليِّة أو غير صَحيحةٍ أدَّت لإحداثِ خللٍ في البُنيَّةِ النفسيِّةِ لدى الإنسانِ النَاشِئ.
إعتقادِيَ الشخصيُّ أنَّ سُلوكياتِ المرءِ، أفكَارَهُ، مُمَارسَاتِه وإهتمامَاتِه وحتَّى السُلوكياتِ المُعقَّدةِ عِبَارة عن تنفيسٍ قبلَ أن تكونَ مُجرَّدُ هِوايَةٍ تُقرَنُ بِها هويَّتُه الذاتية ومَشَاعِره، يُعبِّر بها عن شخصيَّته التي عجَزَ عنِ التعبيرِ عنها بصورةٍ عفويَّةٍ. لماذا تُحبُّ مُمَارسَة إهتمَامٍ ما؟ لأنكَّ مُعجبٌ بها؟ تُعبُّر عن ذاتَك؟ تُذكِّرُكَ بأمرٍ ما؟ لتَتجاوَزَ بها حياةً مضَت؟ ثمِّة جذورٍ وراءَ ذلك.
عِندمَا يَستهويَ المرءِ الكِتَابَةِ على سبيلِ المِثَال فإنَّ التحليلَ المُعمَّقِ يعودُ جذورهِ في المَقامِ الأوُّلِ إلى عجزهِ عن إيصَالِ صَوتِهِ ورَأيهُ الشَخصيُّ بسبَبِ القيودِ الَّتي وُضِعت له، لَيجَدِ جوهرَتَهُ المَسلوبَةِ بينَ السُطورِ والقَلَمِ ... بالطَّبعِ الإستثنائياتِ واردَة.
عندما يَحَكُم جيلُ القديمِ بالسِلبيَّةِ على الجيلِ الحديثِ بسبَبِ المُمَارسَاتِ التَافِهة، أو النكوصِ الأخلاقيُّ، وَجَبَ على الَّلائمِ إعادَةَ النظَرِ في طَريقةِ إنشَاءهِ للجيلِ، وأنَّ الذي أدَّى لظهورِ جيلٍ يُعانيَ من ضبابيَّة في التعرُّفِ على هويتهِ يعودُ سبَبَهُ الأوَّل إلى طريقةَ بِنَاءِه وشُحَّ مُراعاته عبرَ إستعمَالِ أنماطٍ مبنيَّةٌ على الترجُّلِ أو الكبحِ، دونَ قصدًا أو عن قصدٍ ظنًّا أنَّ تلكَ الأساليبَ تُمهِّدَ المثَاليّة للجيلِ النَاشِئ.
الأمرَ يُحاكي فكرةَ أنَّ النَاحِت يَحكُمَ على مَنحوتَتِه بالسُّوءِ والافتِقار للجمَاليِّةِ والمِثَالية بعدَ مدِّةِ زمنيَّة من النَّحتِ، رغمَ أنَّهُ في بَادِئ الأمرَ استَعانَ بمَوارِدَ سيَّئةُ الجودَةِ، ومجهودٍ رَكيكِ ومُبتَذَل، لتَتضحَ النتائجَ لاحقًا بأنَّ المنحوتَةِ تعاني من تَصدُّعاتٍ وقابِلةِ للتآفُلِ وأقلُّ تأثيرٍ طبيعي يُسبِّبُ الضَرر.
عندمَا تعجُّ الشَوارِعَ بالسمَاتِ الغيرِ الطبيعيَّةِ من المُستوى المُتَدنِّي مثل النرجسيٍّةِ، فقدانِ هويِّةِ الذاتِ، هشاشَة نفسيَّة، سُقوطِ المبَادِئ، إلخ! جميعَ ما ذُكِر عِبارة عن "ردودِ أفعالٍ" نَابِعة عن الأنظِمَةِ التي غُرِسَت لدى أصحَابِها في الفتراتِ المُبَكِّرة داخِلَ كيانِ الأسرةِ، وسُوءِ بناءِ الأُسُسِ، والإنشاء بالأساليبِ المُقولَبَة والجَاهزةِ، ثمَّ تتبعها جوانِبَ أخرى مثلَ تَفاقُمِ الأزماتِ الإقتِصَاديِّة والإجتماعيّة وظروفٍ أخرى.
مُواجَهةُ تلكَ السِمَاتِ بالأساليبِ البِدائية مثل "العُنفِ" من شَأنها أن تزيدَ الأمرَ سُوءًا، وتَرفعَ نسبةَ إنِحدَارِ أصحابها للمُستوى الأسَوء. وهو الصِرَاعُ الأزَليُّ بينَ الجيلِ القَديمِ والحَدِيثِ ومَسْألةِ الطِبَاع والأخلاقياتِ وحتَّى المُمَارسَاتِ الروتينيَّة.
كلَّ هذا دونَ التَطَّرُقِ للمُسَتوى المُسْتَعصِي، مثَلَ السُلوكياتِ القَهريَّةِ، والَّتي تتمثَّلِ في إلحَاقِ الأذَى، التخيُّلاتِ العابِرَة للمنطِق، والفِيتيش، والسُّلوكيات الجنسية التي تَصعُبُ السيطرة عليها.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، صيفِ ١٤ أغسطُس ٢٠٢٣
84 notes · View notes
noirbeduzz · 10 months
Text
إيَّاكَ أن تطْمَعَ في التقصِّيَ عمَّا خُفِيَ عنك، أو تتَجَاوُزِ النطاقِ المَسْمُوحِ إلى أبعَدَ مِمَا يَنْبَغي، مهمَ كانَتْ مكَانَةِ المرءِ وتأثيرَهُ على حيَاتِكَ الخاصَّة، بإسْتِثناءِ إنْ كُنتَ نفسَانيًّا أو مُحقِّقًا، لأنَّ العَواقِبَ وخيمةٌ للغايَةِ. الإنسَانُ في كَينونَتِهِ أحجيَةٌ دَاخِلَ أحجيِّة، تركيبَتُها شَديدِةُ التَعقيد، كُلَّ أحجيِّةٌ تُشَكِّلُ مُستوى أكثَرُ صعوبةٍ ويُرَافِقُها بُقعةٌ مُظلِمة، صَاحِبُها شخصيًّا لا يَجرُؤ على مَعْرِفَتِها أو حَلِّهَا.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، ١٠ أغسطس ٢٠٢٣
29 notes · View notes
noirbeduzz · 3 months
Text
سُلوكُ الشَّارع يُحاكيَ هَفوةَ زَلَّةُ لسانٍ، سُلوك غير مَقصودٍ، تُأوِّلُ ماهوَ كامِنٌ في اللاَّوعِي لدَى الفَردِ.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، ١ مارسْ ٢٤.
12 notes · View notes
noirbeduzz · 10 months
Text
Tumblr media Tumblr media
تعريفُ عبَارةِ "Anti-Social" المُتَداولة كَ سِمة تعريفيِّة بينَ غالبيِّةِ ناشطيِّ التَواصُلَ الإجتماعيِّ تعريفٌ خالٍ من الصِّحةِ كُليًّا؛ إذ يعتَقِد الكثيرَ أنَّ مَفدَاها هيَ؛ الإنطوائيٍّة، ورفضُ المُجتمعِ ومعاييرهُ وتجنُّبَ الخوضِ مع الجُمهورِ قدّرَ المُستطَاع، من المُخطِئ أن يتمَ المَزجُ بينَ نَقيضيِّ الإنطوائيِّةِ وإضطِّراب مُعاداةِ المُجتمعِ.
سماتُ ال(Anti-Social) تتَجلِّى في غيَابِ الفيصَلِ بينَ الخطأ والصَواب، وتنصُّلِ دورِ "الأنا العُليَا": المَسؤول عن المَبادِئ والضميرِ، يَتبعها إنعدامُ الإيمانِ بالعَواقِب، والإزدراء المُطلَق بمَشَاعرِ وحقوقِ الآخرينَ الأمنيٍّةِ والرُوتينيٍّة؛ يُؤمِنُ صاحبِهُا بالأحقيِّة في مُمارسة التجاوزِ والتعدِّي، وفي التلاعُبَ النفسيُّ وفي إلحاقِ الضَرَرِ الجسدي والمَعنَويُّ والأذى وإزهَاقِ الأرواحِ مع سبْقِ الإصرارِ والتَرصُّدِ دونَ أن تظهرَ عليهِ أيِّة بَوادَرَ النَدمَ أو التَراجُعِ.
بعبارةٍ أخرى ومُختصَرَة، مُرادِفُ عبارةِ: "Anti-Social" هيَ "Sociopath" ... حَاول أن تطَّلعِ أكثَر قبْلَ أن تُعرِّفَ هويتك.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، ٢٠ أغسطس ٢٠٢٣
20 notes · View notes
noirbeduzz · 10 months
Text
أدْرَكتُ أنَّ مُعظَمَ الكَوابيسَ الَّتي تُراودُنِي يُوميًّا هيَ بَقَايا صَرخَات لم تَنْقَطِع لدَى الطِفْلِ من ذاتِيَ القديمِ، وأنَّ تلكَ الصَرَخاتُ نابِعَةٌ من مَخَاوِفَ مَضَتْ ولكنَّها اليومَ مُتَواجِدَة بصُورةٍ أكبَر مُتَوافِقَة مع حجمِ نَظْرَتي تجاهَ الحيَاةِ، وطَبيعةُ الحياةِ بحدِّ ذاتها.
الكَابوسُ الذي زَارَني اليَومَ قدْ لَخَّصَ بصورةٍ مُجَازية أسْوَءُ مَخَاوِفَ الطُّفولَةِ المُمتدِّة مع مَخاوُفي الحاليَّةِ، وأنَّها جسَّدت أهمُّ المخاوِفَ مُسْتًعينَةً بسيناريو من المَاضي، وكأنَّها تُردِّدُ بعبارةِ "ما أشبَهَ الأمْسَ باليومِ"، وهيَ مازلت كامِنةٌ بالدَّاخلِ بزوايَا مُتعدِّدَة ورؤيةٌ أكثَرَ اتِّسَاعًا وأكثَرَ رُعبًا حتَّى بعدَ اعتقادِيَ بِتجَاوُزيَ للقديمِ كُليًّا. يُوحِيَ إليَّ بأنَّها لم تَنْتَهي، ولكنَّها تطوَّرت بصُورةٍ أكثَرَ قَلَقًا.
● سِيناريو الأحلامِ مَصدَرَهُ العقْلَ اللاوَاعِي، تُسْرِدُ للنَائمِ الفَائضَ من المَخْزونِ فيه بصُورةٍ مُجَازيِّة وغيرُ مَفهومَة تفاديًا لتعرُّضِه للذِّهانِ، وهوَ بمثابةِ سِرداب يُودِعُ في أعمَاقِه كُلًّ شريطِ أفلامٍ يتعلَّقً بمُجرَيَاتِ الحيَاةِ، منَ المَخاوِف، والرَّغبَاتِ، والذِّكرياتِ، والمشاعِر، والأمنيَّات، إلخ.
اجتِثَاثُ تلكَ الجَوانِبَ يُشكِّلُ ضَغطًا للعقلِ البَاطِني من شأنِه أن يُجْهِدَ ويُهدِّدَ صحِّةِ العقْلِ، أمَّا عُشوائية السَردِ للحُلْمِ هيَ نتيجَةَ تشَعُّبِ مُحتويَاتُ اللاواعِيَ مع الحِرصِ على التركيزِ للعِلِّة الأسَاسيِّةِ. إنَّها تُشكِّلُ الحِواراتُ والمَناظرَ الجانبيِّة في الأعمالِ السِينمائيِّة، بينما مِحْورُ القِصِّةِ الأساسيِّة لا تنُمُّ عنها بِصِلَة ولكنَّها حاضِرةٌ.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، ٦ أغسطُس ٢٠٢٣
25 notes · View notes
noirbeduzz · 4 months
Text
Tumblr media Tumblr media
— مِنْ فرويد إلى آينشتاين، فيينا، أيلول ١٩٣٢ م.
"... لقد بدأتَ بطرح العلاقة بين الحق و القوة. ولا شكَّ أن تلك هي نقطة الانطلاق الصحيحة لبحثنا. لكنْ، هل لي أن أستبدل بكلمة “قوة” كلمة أقسى وأصرح هي كلمة “عنف”؟
في الوقت الحاضر يبدو لنا الحق والعنف كنقيضين متضادين. مع ذلك، فمن السهل أن نبيِّن أن أحدهما انبثق عن الآخر. وإذا ما عدنا إلى البدايات الأولى، ورأينا كيف ظهر الأول، فإن المشكلة تُحَلُّ في سهولة. ولا بدَّ لك من أن تعذرني إذا وجدتَني فيما يلي أنظِّر في الأفكار المقبولة لدى الناس عامةً وكأنها جديدة. فحجتي تقتضي ذلك إذا ما أردنا الإمساك برأس خيطها.
المبدأ العام، إذًا، هو أن يلجأ الناس إلى استخدام العنف بغية حلِّ النزاعات فيما بينهم حول مصالح معينة. وهذا ينطبق على مملكة الحيوان كلِّها، تلك التي لا يستطيع الإنسان فَصْلَ نفسه عنها. لكن مما لا شكَّ فيه أنه، بالنسبة إلى الإنسان، تحدث أيضًا صراعاتٌ في الرأي، صراعات قد تصل إلى أعلى درجات التجرد، وتبدو وكأنها تقتضي أسلوبًا آخر لحلِّها.
بيد أن ذلك تعقيد يأتي فيما بعد. فمنذ البداية، كانت القوة العضلية المتفوقة هي التي تقرر، بين أفراد جماعة بشرية صغيرة، لِمَن تعود ملكية الأشياء أو مَن ينبغي أن يسيطر. هذه القوة العضلية لَحِقَ بها سريعًا، وحلَّ محلَّها، استخدامُ الأدوات: غدا الفائز مَن يملك السلاح الأفضل، أو مَن يستخدمه استخدامًا أبرع.
ومنذ اللحظة التي دخل فيها السلاحُ عالم الإنسان، بدأ التفوق الفكري تقريبًا يحلُّ محلَّ القوة العضلية البهيمية؛ لكن غاية القتال النهائية بقيت هي ذاتها: أن يُجبَر هذا الطرفُ أو ذاك على التخلِّي عن دعواه أو اعتراضه، وذلك بإيقاع الضرر به وتحطيم قوته.
وكانت تلك الغاية تتحقق على أتم وجه إذا ما استطاع عنف المنتصر أن يقضي على خصمه قضاء مبرمًا، أي أن يقتله. فلهذا العمل ميزتان: أولاهما أنه لن يستطيع تجديد مقاومته، والثانية أن مصيره سيمنع الآخرين من احتذاء مثاله. زِدْ على ذلك أن قتل الخصم يُرضي ميلاً غريزيًّا سأذكره فيما بعد.
فنيَّة القتل يمكن لفكرة أخرى أن تقابلها، هي أن الخصم يمكن أن يُستخدَم لتأدية خدمات مفيدة إذا ما أُبْقِيَ على قيد الحياة وفي حالة شديدة من الضعف والذعر. في هذه الحالة، يقنع عنف المنتصر بإخضاع الخصم بدلاً من قتله. وهذه هي البداية الأولى لفكرة الإبقاء على حياة الخصم. لكنْ، فيما بعد، تعيَّن على المنتصر أن يأخذ في حسبانه تعطُّش الخصم المنهزم إلى الانتقام وأن يضحِّي بشيء من أمانه.
هكذا، إذن، هي الحالة الأصلية للأشياء: السيادة لِمَن يمتلك القوة الأكبر، السيادة للقوة الوحشية أو للعنف الذي يدعمه التفكير. وكما نعلم، فقد تغير هذا النظام مع مسيرة التطور. إذ وُجِدَ طريقٌ قاد الإنسان من العنف إلى الحق والقانون. لكن ما هو ذلك الطريق؟
باعتقادي أنه كان واحدًا فقط: إنه الحقيقة التي تجلَّت لناظر الإنسان، وهي أن القوة التي يتفوق بها فردٌ واحد يمكن أن ينافسها اتحادُ قوى لعدد من الأفراد الضعفاء: “في الاتحاد قوة. ” إذن، فالعنف يمكن تحطيمه بالوحدة. وقوة أولئك الذين اتحدوا غَدَتْ تمثِّل القانون تجاه عنف الفرد الواحد. من هنا نرى أن “الحق” هو قوة الجماعة. لكنْ ظل العنف على أهبة الاستعداد لأن يوجَّه ضد أيِّ فرد يقاومه ..."
6 notes · View notes
noirbeduzz · 1 year
Text
Tumblr media Tumblr media
إنَّ الأخِصَّائي النَفسِيّ هوَ المُؤَهل الوحيدُ لِتحديدِ الخَلَلِ في ذَاتِ الإنسان وتشخيصِ مُعاناتِه وتَحليلِه بصورة شَامِلَة فقط، غيّرَ ذلكَ لا يَنْبَغي أنْ تُؤخَذُ تَشخيصَاتِ الغَيَّرِ مُتخصِّص ولو كانَ مُطَّلِعًا ويَملكُ خَلفيَّةً كبيرةَ عنِ مَفاهيمَ علمَ النَفس، قدْ تُؤخَذُ كفَرَضيَّةٍ قابلةٍ للضَحدِ حتى لِقَاءَ الأخِصَائي.
لا يَنبَغي التَلاعُبَ والمِسَاسَ بالمَفَاهيمِ السَايكولوجيِّةِ وتسويقِها على الآخرينَ من قِبَلِ عامِّةِ الناسِ دونَ مُرَاعاةِ الأُسُسِ والجَوانِبَ الظاهرةِ والخَفيَّةِ وأمَانةِ التخَصُّصِ، تِلَكَ المًفاهيمِ حَساسةٌ للغايَةِ، نتيجةُ الجهلِ بها قدْ يُدخلَ الإنسانَ في دوامةٍ لا مَخرَجَ لها، وهو لمْ يَكُن يُعاني سِوى صَغَائرَ الأمورِ بالإمكانِ احتِوائها.
إنْ صَادَفتَ أحدًا، يَشكوكَ من مُعاناةٍ دَاخليَّة، إيَّاكَ حتَّى أن تُلَمِّحَ بمَا يُعاني، قد تستطيع مُجَاراتِه بالنقاشِ الوِدِّي حسَبَ حدودِ مَعرفتِك، عوضًا عن ذلك: إقتَرِح عليهِ الإطِّلاع على مُدوناتِ المُتخَصِّصينَ المُعتَمدينَ على الأقلِ أو زيارةَ مُتخَصِّصٍ.
أقولُ أيضًا لأعزائيَ من الجيلِ الحاليّ في تعليقٍ جانبي؛ عندما يُطرحُ قَضايا سَايكولوجيَّةٌ على المَرئيَّاتِ أو مُدوناتٍ فإن غايتُها السَاميَة هو بثُّ الوعيُ عنِ المُصَابينَ بها والوعيَ في التَعامُلِ معهم، وأخذُ الإحتياطِ لعدمِ الوقوعِ فيها، وليسَت لأجلِ مُمَارسَتها على الذاتِ والتَماوتِ سَعيًا في الإصابةِ بها، هذهِ الحالاتِ من يُعاني منها أقصَى أَمانيهِ في حَيَاتِه هيَ الخَلاصُ مِنها، وليسَت نَيَاشينَ تُعلَّقُ على الصُدورِ بفخرٍ، لا يَحقُّ لكَ بِذلكَ حتَّى يُخبركُ الأخصَّائي وحدَهُ، عدَى ذَلك عزيزي الحيَاةُ مَليئةٌ بالمَسَاراتِ، يُمكنكُ الاختيارُ وتنميَتُها بدلاً من ذَلك.
نعم، عَصْرُنا الحاليّ هو أكثَرُ العصورِ المُمَهدِ للإعتلالاتِ النفسيةِ، الأزَماتِ النفسية تَترقَّبُ من كلِّ زاويَةٍ، والنَفسَانيُّ هو آخرَ رُهبانِ العِلم المُؤهلِ لإنقاذِ البَشريَّةِ، والوعيُّ السايكولوجيُّ مَلزومٌ مع الإصْرَارِ على كل إنسانٍ، كبيرًا وصَغيرًا، ولكن الأمرَ لا يَعني العُشوائيِّةِ في التَعَامُلِ معها، ومنحِ الأحقيَّةِ للجميعِ في المِسَاسِ بها وتوزيعِهِا على الآخرينَ دونَ مُرَاعاةِ الأَساسياتِ.
لقد تمَّ التلاعُبَ بالطبِّ والجِيُولوجِيا والسِيَاسَةِ والكثيرِ من العُلومِ، وحتِّى الدينِ وطَالت لها أيادٍ عُشوائية، إلا علمُ النفسِ وجَبَ إحتِوائهُ ولو بإصْدَارِ قِوى مُخصَّصةِ له. لأنَّهُ الملاذُ الأخير للبَشَريَّةِ. إنَّ مجالَ علمِ النفسِ حملٌ ثقيلٌ على عاتِقِ كُلَّ مُتطَوعٍ لهُ، مًسؤوليَّةٌ بمِيثَاقٍ غليظ، يَحمُلِ على عاتِقِهِ حمايةَ البَشَريَّةِ من أنفسُهَم ثمَّ من التهديداتِ الأخرى، ليسَ بِواسطَةِ مُجلدٌ أو مُجلديِّن، إنمَا مَسيرةً كامِلة من عُمْرِه، إنَّ النَفسَانيُّ يَتعرَّضُ للمخاطرَ قبلَ الجميعَ، فهو يعيشُ على الجَانِبَ المُظلمَ والخفيِّ من البَشَريٍّةِ وهو أدرَى بها من الجميعِ، إنْ كانَ مُخلِصًا للمَجَالِ حقًّا ويَستَحقُّها.
— مُذَكَّرات فِيتزْجيرَالد، صيفِ ٢٣ يونيو ٢٠٢٣
18 notes · View notes