پوست لا علاقة له بأي أحداث ﻷي حدّ في الدنيا غيري، بس شاغل دماغي…
كل شوية ألاقي حدّ، بيحاول يعمل فيّ طيب وينصحني، يقول لي: "مش ناوي تحلق شعرك دا؟!" خصوصًا لو قبل حفلة أو أي مناسبة ح اتعامل فيها مع ناس كتير، معظمهم أغراب. الموضوع دا عمّال أفكر فيه من فترة طويلة، وآدي اللي أنا وصلت له:-
١) فيه خلط بشع بين رأي الناس فيّ وما يترتب على الرأي دا؛ يعني اللي بيحذرني من عواقب عدم رضا الناس عن منظري بيعتبر إن عدم رضاهم دا هو في ذاته العاقبة. خلوني أشرح أكتر…
يعني دلوقت لما تقول لي: "الناس ح تعيّب عليك!" أنا في لحظتها باسأل نفسي: "طب وإيه المشكلة؟" ولما باجرؤ تساؤلاتي تطلع من دماغي وتروح للساني (اللي عايز قطعه دا…) اللي قدامي بيبقى عايز ياكلني بنظراته!! أيوة يعني، حبّة جدّ بقى: لما اللي قدامي يعيّب عليّ أنا خسرت إيه؟؟؟؟ أنا اتضرّيت إزاي؟؟؟ مجرد إن حد بيفكّر في بمشاعر سلبية ح يضرّني إزاي؟!!! هل بتطلع منه إشعاعات ليها أثار مدمرة؟؟؟!!! أنا باتساءل بجدّ، ربنا العالم!!!
أنا متأكد إن من تلاتين أربعين سنة فاتوا ما كانش ممكن أقول الكلام دا. رأي الناس فيّ، مهما كان في غير محله، كان ممكن يقطع لي عيشي. كان ممكن يحرمني من فرص. كان ممكن حرفيًا يدمّر حياتي. لكن كمان ما كانتش هي دي دايمًا الحالة. أوقات كتير تربيتنا الكلاسيكية بتدور حوالين فكرة بتلخّصها العبارة اﻹنجليزية "I aim to please"؛ بمعنى الرغبة في مجرد الحصول على الرضا. رضا المجتمع بيدّي الواحد حالة من الانتشاء، متعة اﻹنجاز، اﻷمل في مساندة أكتر، محبة أكتر، تقدير أكتر…
لكن بالتدريج بقى تفكيري: "So what?!" أو بالبلدي: "اللي يعرف ابوي يروح يقول له!" طالما مافيش ضرر مادّي، أو جسدي، فأي أضرار بيقولوا عليها أدبية أو معنوية ولا تفرق معاي بقت. أصل بصراحة قيمتي قدام نفسي بقت بتعتمد تمامًا على قيمتي عند ربّنا، ودي مش بتتغير بالتصرفات ولا باي شيء في الدنيا. فاحترامي لنفسي، ومحبتي لنفسي، خلاص ما بقوش خاضعين لتقييم المجتمع، أو لمعاييره.
باختصار: بقيت بجح، وعيني قارحة.
٢) تقريبًا كل اللي باقابلهم، بمعنى السواد اﻷعظم، وبمنتهى اﻷسف، بيخلط وحدة الهدف مع وحدة الوسيلة؛ فمش من حق حد يحاول يستخدم وسيلة مختلفة حتى ولو ينفع يوصل بيها لنفس الهدف.
اللي لغته الانجليزية تسعفه، ياريت يدوّر على "Unity vs Conformity". فيه فارق السما من العمى بين إننا نحرص على بلوغ هدف سامي واحد، وإننا نصرّ باستماتة على اتّباع نهج واحد مالهوش بديل!!!!
إنت مقتنع إن محبتي لربنا لا يليق معاها أطوّل شعري، يا عمي ما تطوّلش انت شعرك!!! ما تركّزش معاي!!! أنا ما قلت لكش تطوّل شعرك زيّي!!! تطويلي لشعري ما هواش بأي حال دعوة للآخرين إنهم يقلدوني!!!
الاختلاف في الوسائل عمره ما كان ضد وحدة الهدف. زي بالضبط حالة التوازن اللي ربّنا مصمّمها في كل الكائنات الحية. بصّ كدا على جسمك انت: ح تلاقي حاجة تقلل السكر في الدم وحاجة عكسها بتطلق السكر في الدم، ح تلاقي حاجة تستنفر الجسم وحاجة تهدّيه، ح تلاقي كل حاجة وعكسها، علشان يحصل التوزان في اﻻخر، علشان كل وقت محتاج أداء مختلف من الجسم.
بعد كل اللي فات، ما عنديش غير المبدأ الخالد: اللي يعرف أبوي يروح يقول له. ويورّيني بقى شطارته. الراجل عند ربنا من حوالي ٣٠ سنة…
باتصدم، وبتتفقع مرارتي كل مرة باسمع حد يستخدم آية كتابية علشان يعبّر عن رأيه في موضوع ما، أو بشأن بني آدم تاني، بس تحديدًا لما الرأي بيكون سلبي أو هجومي (يعني بيشتم بشكل بيخرّ تقوى وورع، أو بيوكّل ربنا يشتم بالنيابة عنه يعني).
سبب صدمتي ببساطة هو إن أي حد تاني بيسمع الرأي بتاع صاحبنا دا بيتخيّل إن دا هو رأي ربنا نفسه كمان في الموضوع!!! فلمجرد إن دي آية كتابية، اللي استعارها علشان يقول بيها رايه الشخصي كدا هو انتحل شخصية ربنا، وبدون وجه حق استخدم قوة ربنا علشان يدّي لرأيه البشري قوة إلهية، سلطان إلهي مطلق، وصادر على حرية راي اﻵخرين في الاعتراض على اللي بيقوله!!!
دا تضليل، واستهانة بعقول الناس، بل ممكن يوصل للإرهاب الفكري. ففي كل مرة تسمع حد بيستشهد بآيات كتابية اسأل نفسك: هو دا بالضرورة راي ربنا؟! ولا دا مجرد رأي إنسان زيّه زيّي، بس عايز يلغي كل اللي مختلف معاه في الرأي؟!
من اﻷمور اللي باقابلها كتير، وما بقيتش أتفاجئ بيها، لكن كل مرة باتوجع منها: لما حد يقول رأي شخصي في موضوع، مجرد رأي أو انطباع أو قناعة، لكن يقوله بيقين على إنه حقيقة دامغة (مع إنه في العادة بيكون ولا قرا كفاية ولا قعد مع الناس اللي هو بيتكلم عنهم دول...).
ما كانش ح يكون عندي مشكلة كبيرة لو رأيه دا يخصه هو لوحده. مشكلتي إني باشوف تأثير رأيه دا في حياة ناس تانيين. أو باﻷحرى تدمير سلام الناس التانيين دول، أو تدمير حياتهم حتى كمان. اللي هو لدرجة الرغبة في الانتحار. واﻷقسى لما يكون موقف اللي قال رأيه في اللي ح ينتحر بسبب الرأي الشخصي دي: "يريّحوا. خلي العالم ينضف!"
مثال: واحد أو واحدة بيحبوا يرقصوا. ﻷ طبعًا! إزاي؟! دي مسخرة وقلة أدب!
طب هم لما يرقصوا خاسس عليك انت إيه؟! وهم لما يقولوا إنهم بيحبوا يرقصوا، هم كدا عرضوا عليك انت شخصيًا ترقص معاهم يعني؟!!! فانت بقى دمك حمي وبتدافع عن شرفك وكرامتك؟! يعني انت لو ما أعلنتش لعنتك ليهم تبقى بتشارك في جرمهم ضد المجتمع التقي الورع؟؟؟!!!!
ولما أعترض على كلامه يكون ردّه: يعني انت تقبلها على ولادك؟! طب معلش، لحظة... هو لما انا أقبل دا على ولادي حياتك انت ح تتأثر إزاي؟! ولما أنا ما اقبلهوش على ولادي، ويكونوا ولادي بيحبوا الرقص هم كمان، دا ح يخيلهم أوتوماتيك يبطلوا يحبوه مثلًا يعني؟؟؟!!!
الرأي اللي من النوع دا بيكتسب قوة بشعة لما اللي بيقوله بيتلكك بآيات خارج سياقها، حتى ولو هو مقتنع بكونها تؤيد كلامه. دايمًا ساعتها بييجي سؤال في دماغي: هو ربنا ممكن يكون شاغله إن دول يرقصوا ولا ﻷ؟!
وطبعًا الرقص دا مجرد مثال. أنا اتعرّضت لنفس الموضوع في دراسة الموسيقى: أبوي كان شايف إن عار ان ابنه يطلع آلاتي...
وغير دول فيه مواضيع شائكة كتير، taboos، وكلها نظرة العالم المتحضر عمالة بتتغير، لكن احنا مصرّين نفضل المثل الأعلى للتقوى والورع. حسب المفاهيم البشرية، مش اﻹلهية...
منذ سنين كانت د. نبيلة عريان قد طلبت مني كتابة كانتاتا عن الصلب بعنوان "تضحية"، وقررت وقتها أن أستلهم لحن الشعانين في أول فقرة من الكانتاتا، فعمدت إلى ترجمة معاني النصّ القبطي بطريقة شعرية، ولو أن الوزن لم يكن على طريقة اللغة العربية بل احتفظت بطريقة الوزن القبطي اﻷصلي، ثم وزّعت لصوتين.
مَن يحملُ عرشَه كاروبيم *** ها يأتي يعلو أتانا
ذا موكبُ ربِّكِ أورشليم *** أخلى ذاتَه حين أتانا
يُعطون بصحوٍ تسبيحا *** هذا هو عمانوئيل
هوشعنا ربًّا ومسيحا *** قد حلّ بنا ملكُ اسرائيل
فلنترنّمْ مع داودَ *** بُورك في اﻵتي يهدي
باسمِ الربِّ الغافرِ جودا *** منذ اﻵن دوامَ اﻷبدِ
بعد الضجة الشديدة اللي حصلت حوالين كون اللحن دا وصل لنا من أيام أجدادنا المصريين القدماء، في أعقاب مسيرة المومياوات، وصلني ما يلي من صديقي د. عماد سيدهم (ما عندهوش فيسبوك يا حبايب...).
في الجزء التاني من كتاب البصخة، الراهب/ أثناسيوس المقاري، توثيق للحن، وهو كما يلي:
* أول مخطوط كاتب عنه هو مخطوط دلال انبا شنوده القرن ال١٤ تحت عنوان "قانون آخر ⲅⲟⲗⲅⲟⲑⲁ" بمعنى إنه ما كانش الوحيد، ولا الرئيسي. في حين إن إبن كبر كاتب عن لحن ϩⲓⲧⲉⲛ ⲡⲉⲕⲥⲧⲁⲩⲣⲟⲥ.
* مخطوط دلال حارة الروم مش مكتوب فيه غولغوثا، القرن الخامس عشر.
* ظهر في مخطوط دلال المعلقة ق ١٦ على إنه لحن من حارة زويلة.
* مخطوط ترتيب البيعة رقم ١١٨ لسنة ١٩١١ بيقول: "وأما بيعة حارة زويلة فيستعملون هذا القانون Ⲅⲟⲗⲅⲟⲑⲁ...."
خلاصة رقم ١: إن كلمات لحن غولغوثا بشكله المعروف عبارة عن تجميعة من "اتى الصديقان يوسف ونيقوديموس"، ودا الجزء الأقدم، وغولغوتا اللي نعرفه. ودا ظهر بالكتير في القرن ال١٤ على أقدم تقدير.
ماحدش يقدر يثبت بأي حال إن اللحن كان عايش قبل الكلمات اللي نعرفها.
خلاصة رقم ٢: مش صح، ولا مفيد، ولا من اﻷمانة (العلمية)، إننا نصرّ إن اللي احنا معاصرينه هو بذاته كان من قبلنا بقرون!!!! بلاش الذاكرة قصيرة المدى ندّعي إنها طويلة المدى بالعافية...
النهاردا شفت فيلم اسمه Doubt إنتاج سنة ٢٠٠٨. الفيلم مش بس جبّار في قصته، وتمثيل الكاست كله، خصوصًا ميريل ستريب اللي باعشقها، لكن كمان في التصوير والحالة النفسية اللي بيصوّرها. حاولوا تشوفوه. أوعدكم مش ح تندموا.
يبدو إن انا الوحيد، أو من القلائل جدًا يعني، اللي كورونا والحظر ما غيروش في حياتي كتير. الشيء الوحيد اللي اتحرمت منه وفارق معاي هو إني مش عارف أسلم بالأحضان والبوس، ودا شيء سخيف جدًا!!!