Tumgik
#فقه
hadeth · 7 months
Text
Tumblr media
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ ‏"‏ أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ ‏"‏‏.‏ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ ‏"‏‏.‏ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي ‏"‏‏.‏ قَالُوا نَعَمْ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا ‏"‏‏.‏ صحيح البخاري ومسلم حديث ٣٣٧٤ - ٢٣٧٨
Narrated Abu Huraira: Some people asked the Prophet: "Who is the most honorable amongst the people?" He replied, "The most honorable among them is the one who is the most Allah-fearing." They said, "O Allah's Prophet! We do not ask about this." He said, "Then the most honorable person is Joseph, Allah's Prophet, the son of Allah's Prophet, the son of Allah's Prophet, the son of Allah's Khalil." They said, "We do not ask about this." He said, "Then you want to ask me about the Arabs' descent?" They said, "Yes." He said, "Those who were best in the pre-lslamic period, are the best in Islam, if they comprehend (the religious knowledge)." Sahih al-Bukhari 3374In-book reference : Book 60, Hadith 48 // Sahih Muslim 2378 In-book reference : Book 43, Hadith 219
سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ أَخْبَرَ بِأَكْمَلِ الْكَرَمِ وَأَعَمِّهِ فَقَالَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَصْلَ الْكَرَمِ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَمَنْ كَانَ مُتَّقِيًا كَانَ كَثِيرَ الْخَيْرِ وَكَثِيرَ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا وَصَاحِبَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَا فِي الْآخِرَةِ فَلَمَّا قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ يُوسُفُ الَّذِي جَمَعَ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَشَرَفَهُمَا فَلَمَّا قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُ فَهِمَ عَنْهُمْ أَنَّ مُرَادَهُمْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ قَالَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُرُوءَاتِ وَمَكَارِمِ الأخلاق في الجاهلية اذا اسلموا وفقهوا فَهُمْ خِيَارُ النَّاسِ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ فِي الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْكَرَمَ كُلَّهُ عُمُومَهُ وَخُصُوصَهُ وَمُجْمَلَهُ وَمُبَانَهُ إِنَّمَا هُوَ الدِّينُ مِنَ التَّقْوَى وَالنُّبُوَّةِ وَالْإِعْرَاقِ فِيهَا وَالْإِسْلَامِ مَعَ الْفِقْهِ وَمَعْنَى مَعَادِنِ الْعَرَبِ أُصُولُهَا وَفَقُهُوا بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْ صَارُوا فُقَهَاءَ عَالَمِينَ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفِقْهِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . شرح النووي على مسلم
قوله: «من أكرم الناس؟، قال: أتقاهم»؛ يعني: إن أكرم الناس أتقاهم لله عزَّ وجلَّ، وهذا الجواب مطابق تمامًا لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]؛ فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الناس من حيث النسب، ولا من حيث الحسب، ولا من حيث المال، ولا من حيث الجمال، وإنما ينظر سبحانه إلى الأعمال؛ فأكرم الناس عنده أتقاهم له؛ ولهذا يمد أهل التقوى بما يمدهم به من الكرامات الظاهرة أو الباطنة؛ لأنهم هم أكرم خلقه عنده، ففي هذا حثٌّ على تقوى الله عز وجل، وأنه كلما كان الإنسان أتقى لله فهو أكرم عنده، ولكن الصحابة لا يريدون بهذا السؤال الأكرم عند الله!.
«قالوا: لسْنَا عن هذا نسْألُك»، ثم ذكر لهم أن أكرم الخلق يوسف ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإنه عليه الصلات والسلام كان نبيًّا من سلالة الأنبياء، فكان من أكرم الخلق.
«قالوا: لسْنَا عن هذا نسْألك، قال: «فعن معادنِ العرب تسْألوني؟».
معادن العرب؛ يعني: أصولهم وأنسابهم!.
«خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا»؛ يعني: أن أكرم الناس من حيث النسب والمعادن والأصول، هم الخيار في الجاهلية، لكن بشرط إذا فقهوا؛ فمثلًا بنو هاشم من المعروف هم خيار قريش في الإسلام، لكن بشرط أن يفقهوا في دين الله، وأن يتعلموا من دين الله، فإن لم يكونوا فقهاء فإنَّهم - وإن كانوا من خيار العرب معدنًا - فإنهم ليسوا أكرم الخلق عند الله، وليسوا خيار الخلق.
ففي هذا دليل على أن الإنسان يُشَرَّف بنسبه، لكن بشرط أن يكون لديه فقه في دينه، ولا شك أن النسب له أثر؛ ولهذا كان بنو هاشم أطيب الناس وأشرفهم نسبًا، ومن ثَمَّ كان منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أشرف الخلق؛ ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ﴾ [الأنعام: 124]؛ فلولا أن هذا البطن من بني آدم أشرف البطون، ما كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يُبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلا في أشرف البطون وأعلى الأنساب.
والشاهد من هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن أكرم الخلق أتقاهم لله»؛ فإذا كنت تريد أن تكون كريمًا عند الله وذا منزلة عنده، فعليك بالتقوى، فكلما كان الإنسان لله أتقى كان عنده أكرم. أسال الله أن يجعلني وإياكم من المتقين. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
Hadith Translation/ Explanation : English French Spanish Turkish Urdu Indonesian Bosnian Russian Bengali Chinese Persian Tagalog Indian Vietnamese Kurdish Hausa: https://hadeethenc.com/en/browse/hadith/3069
65 notes · View notes
tarekmurad6 · 1 month
Text
" الإمام القاضي تاج الدين السُبكي المتوفى 771ه
" مُعِيد النِعَم و مُبيد النِقَمْ "
المثال الثالث عشر بعد المائة .
الشحَّاذ في الطرقات: للَّه عليه نعمة أنه أقدره على ذلك، وكان من الممكن أن يُخرس لسانه فيعجز عن السؤال، أو يقعده فيعجز عن السعي، أو يقطع يديه فيعجز عن مدَّهما، إلى غير ذلك. فعليه ألَّا يُلحّ في المسألة؛ بل يتَّقي اللَّه تعالى، ويُجمل في الطلب. وكثير من الحرافيش اتَّخذوا السؤال صناعة: فيسألون من غير حاجة، ويقعدون على أبواب المساجد يشحذون المصلّين، ولا يدخلون للصلاة معهم. ومنهم من يقسم على الناس في سؤاله بما تقشعرّ الجلود عند ذكره. وكل ذلك منكر. وبعضهم يستغيث بأعلى صوته: لوجه اللَّه فَلْس. وقد جاء في الحديث: "لا يسأل بوجه اللَّه إلَّا الجنَّة" وبعضهم يقول: بشيبة أبي بكر فلس. فانظر ماذا يسألون من الحقير، وبماذا يستشفعون من العظيم، ويراهم اليهود والنصارى، ويرون المسلمين ربَّما لم يعطوهم شيئًا، فيَشمَتون ويسخرون؛ وربَّما كان المسلم معذورًا في المنع، والكافر لا يفهم إلَّا أنَّ المسلمين لا يكترثون بذلك. فرأيي في مثل هذا الشحَّاذ أن يؤدَّب حتى يرجع عن ذكر وجه اللَّه تعالى، وذكر شيبة أبي بكر الصدِّيق رضي اللَّه عنه، ونحو ذلك، في هذا المقام. ومنهم من يكشف عورته ويمشي عُريانًا بين الناس، يوهم أنَّه لا يجد ما يستر عورته، إلى غير ذلك من حِيَلهم ومَكْرهم وخديعتهم.
ولقد أطلنا في ذكر هذه الأمثلة بحيث إنها تحتمل مصنَّفًا مستقلًّا والحاصل -وهو المقصود- أنه ما من عبد إلَّا وللَّه تعالى عنده نعمة، يجب عليه أن ينظر إليها، ويشكرها حقَّ شكرها بقدرِ استطاعته، حسب ما وصفناه، ولا يستحقرها، ولا يربأ بنفسه عليها. وذلك ميزان يستقيم في كلِّ الوظائف؛ فليعرض كل ذي وظيفة تلك الوظيفة على الشرع؛ فإنَّ سيِّدنا ومولانا ونبيِّنا وحبيبنا وشفيعنا محمد المصطفى -صلى اللَّه عليه وسلم- بيَّن لنا أمر ديننا كلَّه؛ فما من منزلة إلَّا وأبان لنا عمَّا ربطه الشارع بها من التكاليف؛ فليبادر صاحبها إلى امتثاله، منشرحَ الصدر، راضيًا، ويُبْشِر عند ذلك بالمزيد. وإلَّا فإنْ هو تلقّاها بغير قبول، ولم يعطها حقَّها خُشِي عليه زوالها عنه، واحتياجه إليها، ثم يطلبها، فلا يجدها. وإذا زالت فليعلم أنَّ سبب زوالها تفريطه في القيام بحقها، وأنا أضرب لك مثلًا، فأقول: إذا كنت أميرًا، قد خوَّلك اللَّه نعمًا هائلة، لو استحضرت نفسك لوجدتها لا تستحقّ منها ذَرَّة، وبِتَّ في بيتك تتقلَّب في أنعم اللَّه، بين يَدَيك الدراهم والذهب، والمماليك، والجواري، وأنواع الملابس الفاخرة، وأصنافُ الملاذِّ، ثم أصبحت ركبت الخيول المسوّمة، ولبست الثياب الحسنة، ثم جلست في بيتك لابسًا قباء عظيمًا، مطرّزًا بالذهب الذي حرَّمه اللَّه تعالى على الرجال، مُطرِقًا مصمِّمًا بوجه عبوس، تُبرق وترعد كأنَّك طالب ثأر من الخلق، وأخذت تحكم فيهم بخلاف ما أمركَ اللَّه به، الذي بتَّ تتقلَّب في أنعمه، معتقدًا أنَّ ما تحكم به هو الأصلح، وأنَّ حكم اللَّه تعالى لا ينفع، فما جزاؤك! ولم لا تزول عنك هذه النعمة! فإن ضممت إلى هذا أنواعًا أُخَر من المعاصي، فأنت بنفسك أخبر، واللَّه عليك أقدر. فاحفظ اللَّه يحفظك. احفظ اللَّه تجده تجاهك؛ تعرَّف إلى اللَّه في الرخاء يعرفك في الشدَّة؛ خف اللَّه، الذي يمهل الظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلته. واعلم أنَّه ما من عبد إلَّا وعليه حقوق للمسلمين، يتعيَّن عليه توفيتها، والشكر عليها، حيث أقامه اللَّه فيها، واستأهله لها؛ فإنَّها خِدْمة من خدم اللَّه تعالى. ولا يخفى عليك أنَّ مِلكًا لو استخدمك في أيسر حاجة لسُرِرت بذلك؛ فكيف بملك الملوك! وما من وظيفة إلَّا وللمسلمين حقوق على صاحبها. سمعت الشيخ الإِمام رضي اللَّه عنه يقول: لكلِّ مسلم عندي، وعند كل مسلم حقّ في أداء هذه الصلوات الخمس. ومتى فَرَّط مسلم في صلاة واحدة كان قد اعتدى على كل مسلم، وأَخَذَ له حقًّا من حقوقه؛ لعدوانه
على حق اللَّه تعالى. قال: ولذلك أسمع دعوى من يدَّعي على تارك صلاة واجبة، وإن لم يدع على وجه الحسبة؛ لأنَّ لكل مسلم فيها حقًّا؛ فيقول: أدَّعى على هذا أنَّه ترك الصلاة الفلانية، أو اعتمد فيها ما يُفسدها، وقد أضرَّ بي في ذلك، فأنا مطالبه بحقِّي. قلت: ولم؟ قال: لأنَّ المصلِّي يقول: السَّلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، والنَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إنَّ المصلِّي إذا قال هذا أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض. قلت: ورأيت للقفَّال ما يقتضي ذلك.
إذا فهمت أيُّها العاقل -وفقنا اللَّه وإياك لمرضاته وأحلَّنا وإياك بكرامته بُحبوحة جناته- ما شرحناه لك، فإذا انزَوت عنك نعمة، فأوَّل متعين عليك، إن كنت باغيًا عَودها، البحث عن سبب انزوائها: بأن تنظر إلى وظيفتك، وتفريطك فيها، بالإخلال بواحدة من وظائف الشكر، وتعلم أنك أُتِيت منها، فتذكرَ ذلك. فمتى ذكرته وكان تعلُّق قلبك بها صادقًا، وعلمت أنَّه السبب في زوالها، ندمت -ولا بد- عليه وتبت عنه. وعقدت النيّة على أنك إن عادت إليك النعمة لم تعد إليه. فإن قلت: لا أذكر تفريطًا، فأنت إذا جاهل. واعلم أنَّ للشيطان وساوس وتخييلات، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأنَّ أعدى عدوّ لك نفسُك التي بين جنبيك، وأنهما -أعني نفسك والشيطان- ربَّما أرياك الباطل حقًا، واسترقَاك من حيث لا تدري، واسترقّاك وأنت تظن أنك حر، فاقطع واجزم بأنَّك مفرط لا محالة، واستغفر اللَّه تعالى، واضرع إليه. وإن لم تدر وجه التفريط بخصوصه، فاعلمه على الجملة. ولا يكن عندك شك في أنَّ هناك تفريطًا، فهمته، أم جهلته، وأنك منه أُتِيت. فإنَّك إذا علمت ذلك، وأيقنت به، فهمت أنَّ الحق تعالى عادل فيك، غير ظالم لك، بل محسن إليك، أسداكَ نعمة بلا استحقاق، فما رعيتها حق رعايتها، فزوَاها عنك. فعليك شكر تلك الأيام التي كنت متلبسًا بها فيها، والاستغفار من تفريطك. أَرَأيتَ رجلًا أجلسك في داره يطعمك ويسقيك عشرة أيام، ثم قال لك: انصرف، أيكون مسيئًا إليك، أم محسِنًا؟ إن قلت: مسيئًا إليك، فأنت مجنون؛ فإنَّه لم يكن عليه حق لك، وقد أحسنَ إليك هذه المدة. فبأيّ طريق يجب عليه أن يديمها: وإن قلت: يكون محسنًا، وقد أزالها بلا سبب، فما ظنَّك برب لا يزيل النعمة إلَّا بسببٍ منك! ألست أنت الظالم! حكي أنَّ ملكًا مات له ولد، فأفحش في إظهار الحزن عليه، والتسخّط بسبب ما أصابه. فأتاه آتٍ، فقال: أيُّها الملك، إنَّ لي صاحبًا أودعني جوهرة، فكانت عندي مدة. أتلذَّذ برؤيتها. ثم إنَّه استرجعها، وأنا أسالك طلبه، وإلزامه بإعادة الإِيداع. فقال له: كيف أُلزمه بأن يودع ما له عندك؛ فقال له: فاللَّه أودع عندك ولدًا لك هذه المدة، ثم استردَّه، فلِمَ هذا التسخُّط، فانشرح صدر الملك، ورفع العَزاء. وأنشد بعضهم:
وما المال والأهلون إلا وديعة ... ولا بد يومًا أن تُرَدّ الودائع
فإن قلت: قد يزيلها زيادةً في رفعِ الدرجات، فاعلم أنَّ هذا مقام عَسِر، لم تصل أنت إليه، فليسرع كلامي مع أهل هذه الطبقة؛ إنَّما كلامي مع جمهور أهل هذا الزمان، الذي اندفعنا إليه. ولو كان كلامي مع أهل هذا المقام لقلت لهم: تلك نعمة تبدَّلت بأعظم منها؛ ولا يقال: إنَّها زالت. ولهذا شرح طويل ليس من غرض هذا الكتاب.
فهذه واحدة من الأمور الثلاث، التي بمجموعها تعود النعمة وتزول النقمة.
الأمر الثاني في فوائد انزوائها؛ فنقول: قد تعترف بالأمر الأوَّل، وتذعن له، ولكن تقول في نفسك: إنَّه لا خير لي في هذه المحنة، وليت النعمة لم تَزل، وإن كنت أنا السبب في زوالها. فإن أنت اختلجَ في ضميرك هذا، فاعلم أنَّك لم توفِ الشكر حقه، ولم تحسن السعي في عَوْدها، وكنتَ كمن يأتي البيوت من غير أبوابها، ويلج الدور بدون حُجّابها، فامح ما في نفسك، وارجع إلى حسك، واعلم أنَّ المحنة من اللَّه تعالى، ليست من أحد غيره. وهذا كما عرَّفناك في النعمة سواء. فأوَّل ما تعتقده أنَّ اللَّه تعالى هو الفاعل بك ذلك؛ لتمرُّدك، وطغيانك. وإن أنت ظننت في أحد من الخلق أنَّه الفاعل بك هذا فهذه زَلّة عظيمة يُخشى عليك منها دوامُ المحنة. فإذا اعتقدت ذلك، وتلقَّيت المحنَة من اللَّه تعالى فهذه نعمة تورث عندك الفرح بالمصيبة. ثم انظر في نفسك: أمؤمنٌ أنت أم كافر؟ فإن كنت كافرًا فمصيبتك بالكفر أشدّ من سائر المصائب، فابك على تلك المصيبة، وبادر إلى زوالها ودع عنكَ الفكرة فيما عداها. وإن كنت مؤمنًا فاعلم أنَّ ما لاقاك به الدهر هو ديدنه وعادته في حقّ المؤمنين؛ فإنَّ دار الدنيا مملكة أعدائك، ومحلَّة بلائك؛ والإنسان لا يكون في مملكة عدوّه مستريحًا، وإنَّما يكون مصابًا معذَّبًا بأنواع الأنكاد والمتاعب. فلا تستغرب ما أصابك، بل اعلم أنَّه القاعدة المستقِرَّة في حقِّك، والغريب ممَّا جاء على خلافها. ولهذا كان سيِّد الطائِفة الجنيد رحمه اللَّه يقول: لا أستنكر شيئًا ممَّا يقع من العالم؛ لأنِّي قد أصَّلت أصلًا؛ وهو أنَّ الدار دار غمّ وهمّ وبلاءً وفتنة، وأنَّ العالَم كلُّه شرّ، من حقِّه أن يتلقّاني بكل ما أكره. فإن تلقَّاني بما أحِبّ فهو فضل؛ وإلَّا فالأصل الأوَّل. وإنَّما قلنا: إنَّ الدنيا مملكة أعدائنا، ودار أحزاننا، لما ثبت وصحَّ في صحيح مسلم وغيره: من قول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّ الدنيا سِجْن المؤمن، وجنَّة الكافر. فأوضحَ أنَّ الكافر فيها منعّم، والمؤمن فيها مسجون، وهل يكون المسجون إلَّا حزينا مصابًا! فالأصح أنَّ المؤمن مع الكافر في هذه الدار كأهل السجن مع السلطان. فانظر واعتبر وتأمَّل قوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} (١) فإذا تأمَّلت هذا انشرح صدرُك لما يصيبك، وعلمت أنَّه دليل على أنَّك من أهل الإيمان، المقرَّ��ين عند الرَّحمن، الذين يريد تطهيرهم من الأدناس، ويحبّ تصفية قلوبهم من الوسواس. ولذلك كان السلف رحمهم اللَّه تعالى يخشَون تتابُع النعم، ويخافون أن يكون ذلك استدراجًا. وأنا قد اعتبرت، فوجدت القاعدة المستمِرّة في هذه الأمَّة أنَّ كل من كان أكثر إيمانًا، كانت الدنيا عنه أكثر انزواءً، والأكدار عنده أكثر ممَّن دونه، ولذلك كان أشدّ النَّاس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل، وما أوذي نبيّ أكثر ممَّا أوذي سيِّد الأنبياء نبيِّنا محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-: وأنت فانظر ترَ الكفار أكثر دنيا من المسلمين، ثم انظر المسلمين تر الجهَّال منهم والفسقة أكثر دنيا من أهل العلم وأهل التقوى. ثم انظر أهل العلم والتقوى تر كل من زاد فيهما نقص في الدنيا بحسب ذلك. وإن عددت منِ جُمع له العَدْل والملك، أو العلم والمال، أو التقوى والمال، لم تر إلَّا آحادًا محصورين، وأُناسًا كانت الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، وكان ذلك لمصلحة اقتضتها حكمة الربّ تعالى، خرجوا بها عن القاعدة. قيل للحَسَن البصريّ رحمه اللَّه: أليس قد قال النَّبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يزدادُ الأمر إلَّا شدَّة، ولا الدُّنيا إلَّا ادبارًا"، فما بالُ عمر بن عبد العزيز -وهو سيِّد أهل زمانه وَلِي بعد الحجَّاج وهو خبيث هذه الأمة! فقال: لا بدّ للزمان أن يتنفَّس. فإذا علمت أن إنكاد المؤمنين طبع الزمان؛ كما قال التِّهامي:
حكم المنَّية في البرية جار ... ما هذه الدنيا بدار قرار
بينما ترى الإنسان فيها مخبِرًا ... ألفيته خبرًا من الأخبار
طبعت على كدر، وأنت تريدها ... صفوًا من الأقذار والأكدار
ومكلِّف الأيَّام ضِدَّ طباعها ... متطلِّب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنَّما ... تبني الرجاء على شفير هار
والعيشُ نومٌ والمنيّة يقظة ... والمرءُ بينهما خيال سار
فاقضوا مآربكم عجالًا، إنَّما ... أعماركم سفرَ من الأسفار
وتركَّضوا خيل الشباب وبادروا ... أن تُسترد فإنَّهنَّ عوار
ليس الزمان وإن حَرَصت مسالمًا ... طبع الزمان عداوة الأحرار
فما أجهل من يقول: ما بال فلان المستحقِّ خاملًا، وفلان غير المستحق خير خامل! أما علم أنَّ هذه عادة الزمان، وأن ذلك عدل من اللَّه تعالى: إذ كونه مستحقًّا فضل من اللَّه عليه، يربو ويزيد على ذلك الحُطَام الذي هو حظ من لا يستحقّ. أليس إذا عادل العالِم بين العلم مع الفقر، والجهل مع الغنى وجد علمًا بفقر خيرًا من جهل بغنى، وتقوى بانكسار خيرًا من فجور باستكبار! أنشدنا أبو عبد اللَّه الحافظ إجازة عن شيخ الإِسلام أبي الفتح بن دقيق العيد أنه أنشد لنفسه:
أهل المناصب في الدنيا ورفعتها ... أهل الفضائل مرذولون بينهُم
قد أنزلونا لأنَّا غير جنسهم ... منازل الوحش في الإهمال عندهم
فما لهم في توقِّي ضَرنا نظر ... ولا لهم في ترقِّي قدرنا هِممٌ
فليتنا لو قدرنا أن نعرّفهم ... مقدارهم، عندنا أو لو دروه هم!
لهم مُريحان: من جهلٍ وفرط غنى ... وعندنا المتعِبان: العلم والعَدَم
وهذه الأبيات ناقضها أبو الفتح الثقفيّ فأجادَ وأحسنَ حيث قال:
أين المراتب في الدنيا ورفعتها ... مِنَ الذي حازَ علمًا ليس عندهم؟
شكَّ أنَّ لنا قدرًا رأوه، وما ... لقدرهم عندنا قدر، ولا لهم
هم الوحوش ونحن الإنس حِكْمَتنا ... تقودهم حيث ما شئنا وهم نعم
وليس شيء سوى الإهمال يقطعنا ... عنهم، فإنَّهم وجدانهم عدم
لنا المريحان: من علمٍ ومن عَدَم ... وفيهم المتعِبان: الجهل والحَشَم
فإذا استقرَّت هذه القاعدة عندك ازددت انشراحًا بالمصيبة وتسلّيًا عنها؛ ثم ابحث تجده أيضًا بقضاء اللَّه وقدره وإرادته واختياره؛ وقضاؤه لك خير من قضائك لنفسك. وكم من محنة في طيِّها نعمة لا يدريها إلَّا من يعلم العواقب. فكن مع اللَّه كالميت بين يديّ الغاسل، واعلم أنَّه حينئذٍ لا يفعل بك إلَّا ما هو خير لك؛ وكن كما قال الشاعر:
وقف الهوى بي حيث أنت؛ فليس لي ... متأخَّر عنه ولا متقدَّم
أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبًّا لذكرك فلْيلمني اللوّم
أشبهتَ أعدائي فصرت أحبهم ... إذْ كان حظي منك حظي منهم
وأهنتني فأهنتُ نفسي عامدًا ... ما من يهون عليك ممَّن يكرم
فإذا استقَّرت هذه القاعدة الأخرى عندك ازددت سرورًا على سرور. ثم ابحث عن فوائد المحنة تلقها كثيرة، وافهم أنَّها لولا المحنة لم تحصل هذه الفوائد. فإذًا المحنة نعمة، والمبليَّة عطيَّة، وعند هذا يتم انشراحك وسرورك، وتصل التي درجة الرضا بالمقدَّر، كما كان السلف رحمهم اللَّه:
يستعذبون بلاياهم كأنَّهم ... لا ييئسون من الدنيا إذا قتلوا
ولسنا نقول ذلك حثًّا على حبِّ البلاء، وحبًّا له، نعوذ باللَّه منه، ولكن نقوله تسليةً لمن حلَّ به؛ فتعريف دواء المرض لا يوجب حبّ المرض، ولا طلبه. نسأل اللَّه العافية؛ فإنَّ عافيته أوسع لنا. وإذا فهمت هذا وتأمَّلته مع قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كل قضاء اللَّه للمؤمن خير" الحديث وانشرحت لذلك تمَّ لك نوع من الأمور التي يرجى باعتمادها عود النعمة، وزوال النقمة. فإن قلت: أين لي هذه الفوائد؟ وعدّدها؛ ليتَّم سروري. قلت: حظ هذا الكتاب منها تنبيهك من سِنة الغفلة؛ فإنَّا قد بيَّنا لك أنك من قِبَل تفريطك أتيت؛ فلو لم يتداركك اللَّه بلطفه، ويزويَ عنك تلك النعمة لتتذكر، وتنتبه من منامك لبقيت طائشًا في غيِّك، مُتحيّرًا في طغيانك. وذلك يؤول إلى فساد حالك بالكليَّة. فحلول المحنة -والحالة هذه- نعمة. وإن أردت حصر الفوائد التي فيها فلن تجد إلى ذلك سبيلًا، لكثرته، وخروج بعضه عن إدراك أفهامنا؛ فإن حِكَم الربّ تعالى منها ما ندركه، ويُتفاوت فيه بقدر تفاوتنا في العلوم والمعارف؛ ومنها ما تَقْصُر العقولُ عن إدراكه. ولسلطان العلماء شيخ الإِسلام عزِّ الدين محمد بن عبد السلام رضي اللَّه تعالى عنه كلام على فوائد المحن والرزايا، أنا أحكيه لك بجملته. قال رضي اللَّه عنه: للمصائب والبلايا، والمحن والرزايا قوائد، تختلف باختلاف رُتب الناس. إحداها معرفة عزِّ الربوبية وقَهْرِها. والثانية معرفة ذِلَّة العبودية وكَسْرِها. وإليه الإِشارة بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (١) اعترفوا بأنهم مِلكه وعبيده، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره، وقضاؤه وتقديره، لا مَفَرَّ لهم منه، ولا محيد لهم عنه. والثالثة الإخلاص للَّه تعالى؛ إذ لا مرجع في دفع الشدائد إلَّا إليه، ولا معتمد في كشفها إلَّا عليه، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} (٢) {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (٣). الرابعة الإِنابة إلى اللَّه، والإِقبال عليه، {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} (٤). الخامسة الترصُّع والدعاء {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا} (٥) {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} (٦) {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} (٧) {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (٨). . السادسة الحلم عمَّن صدرت عنه المصيبة {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} (٩) {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (١٠) (إن فيك خَصْلتين يحبهما اللَّه: الحلم والأناة) وتختلف مراتب الحلم باختلاف المصائب في صغرها وكبرها. فالحلم عند أعظم المصائب أفضل من كل حِلْم. السابعة العفو عن جانيها {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (١) {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} (٢) والعفو عن أعظمها أفضل من كل عفو. الثامنة الصبر عليها. وهو موجب لمحبَّة اللَّه تعالى؛ وكثرة ثوابه {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (٣) {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٤) (وما أعطى أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر) والتاسعة الفرح بها، لأجل فوائدها، قال عليه إلصلاة والسلام: "والَّذي نفسي بيده إن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء" وقال ابن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه حبَّذا المكروهان الموت والفقر. وإنَّما فرِحوا بها؛ إذ لا وقع لشدَّتها ومرارتها، بالنسبة إلى ثمرتها وفائدتها؛ كما يفرح من عظمت أدواؤه بشرب الأدوية الحاسمة لها، مع تجرعه لمرارتها. العاشرة الشكر عليها؛ لما تضمَّنته من فوائدها؛ كما يشكر المريض الطبيب القاطع لأطرافه، المانع من شهواته، لما يَتوقع في ذلك من البرء والشفاء. الحادية عشرة تمحيصها للذنوب والخطايا {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (٥) (ولا يصيب المؤمن وَصَب ولا نصب حتى الهم يُهمُّه والشوكةُ يُشاكها إلَّا كفَّر به من سيئاته) الثانية عشرة رحمة أهل البلاء ومساعدتهم على بلواهم؛ فالناس معافًى ومبتلى، فارحموا أهل البلاء، واشكروا اللَّه تعالى على العافية.
وإنَّما يرحم العشّاق من عشقا.
الثالثة عشرة معرفة قدر نعمة العافية والشكر عليها؛ فإنَّ النعم لا تعرف أقدارها إلَّا بعد فقدها. الرابعة عشرة ما أَعدَّه اللَّه تعالى على هذه الفوائد: من ثواب الآخرة على اختلاف مراتبها. الخامسة عشرة ما في طِّيها من الفوائد الخفية؛ {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (٦) {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (٧) {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (٨) ولمَّا أخذ الجبار سارة من إبراهيم كان في تلك البلية أن أخدمها هاجر، فولدت إسماعيل لإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فكان من ذرّية إسماعيل سيِّد المرسلين وخاتم النبيّين، فأعظم بذلك من خير كان في طيِّ تلك البلية؛ وقد قيل:
كم نعمة مطوية ... لك بين أثناء المصائب
وقال آخر:
ربَّ مبغوض كريه ... فيه للَّه لطائفه
السادسة عشرة أنَّ المصائب والشدائد تمنع من الأشَر والبطر والفخر والخيلاء والتكبُّر والتجبُّر، فإنَّ نمرود لو كان فقيرًا سقيمًا فاقد السمع والبصر لما حاجَّ إبراهيم في ربه، لكن حمله بطر الملك على ذلك، وقد علَّل اللَّه سبحانه وتعالى محاجَّته بإيتائه الملك فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} (١) ولو ابتلى فرعون بمثل ذلك لما قال أنا ربّكم الأعلى {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (٢) {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (٣) {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} (٤) {وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ} (٥) {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًالِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} (٦) {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} (٧) والفقراء والضعفاء هم الأولياء وأتباع الأنبياء. ولهذه الفوائد الجليلة كان أشدَّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون الأمثل فالأمثل؛ نسبوا إلى الجنون والسحر والكهانة، واستهزئ بهم، وسُخر منهم، فصبروا على ما كذبوا وأوذوا، وقيلَ لنا: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} (٨) {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (٩) " {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (١٠) {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (١) الَّذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وتغرَّبوا عن أوطانهم، وكثر عناؤهم واشتدَّ بلاؤهم، وتكاثر أعداؤهم، فغلبوا في بعض المواطن، وقتل منهم بأحد وبئر معونة وغيرهما من قتل، وشجّ وجه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكسرت رباعِيَته، وهشمت البيضة على رأسه، وقتل أعِزّاؤه، ومثَّل بهم، فشمِتَ أعداؤه، واغتمَّ أولياؤه، وابتُلوا يوم الخندق، وزلزلوا زلزالًا شديدًا، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وكانوا في خوفٍ دائم، وعُرْي لازم، وفقر مُدْقِع؛ حتى شدّوا الحجارة على بطونهم، من الجوع. ولمِ يشبع سيِّد الأولين والآخرين من خبز بُرّ في يوم مرتين. وأوذي بأنواع الأذيّة حتى قَذفوا أحبّ أهله إليه، ثم ابتلي في آخر الأمر بمسيلمة وطليحة والعنْسيّ. ولقي هو وأصحابه في جيش العسرة ما لقوه، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير. ولم تزل الأنبياء والصالحون يُتعهّدون بالبلاء الوقت بعد الوقت، يبتلي الرجل على قدر دينه: فإن كان صُلبًا في دينه شدَّد في بلائه. ولقد كان أحدهم يوضع الميشار على مَفْرِقه فلا يصدُّه ذلك عن دينه. وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمن مثل الزرع لا تزال الريح تميله"، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح، تصرعها مرَّة وتعدلها مرَّة حتى تهيج" فحالُ الشدَّة والبلوى مقبلة بالعبد إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، وحال العافية والنعماء صارفة للعبد عن اللَّه تعالى، {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ} (٢) فلأجل ذلك تقلَّلوا في المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمجالس والمساكن والمراكب وغير ذلك؛ ليكونوا على حالة توجب لهم الرجوع إلى اللَّه تعالى والإقبال عليه. السابعة عشرة الرضا الموجب لرضوان اللَّه تعالى؛ فإن المصائب تنزل بالبَرِّ والفاجر؛ فمن سخطها فله السخط وخسران الدنيا والآخرة، ومن رضيها فله الرضا، والرضا أفضل من الجنَّة وما فيها؛ لقوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (٣) أي من جنات عدن ومساكنها الطيبة فهذه نبذة ممَّا حضرنا من فوائد البلوى. ونحن نسأل اللَّه تعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة؛ فلسنا من رجال البلوى. وفّقنا اللَّه تعالى للعمل بما يحب ويرضى، وبرَّأنا من المحن والرزايا.
اللَّهمَّ صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله عودًا على بدء ومختتمًا على مفتتح وسلم تسليمًا دائمًا باقيًا إلى يوم الدين آمين وحسبنا اللَّه ونعمَ الوكيل ولا حولَ ولا قوة إلا باللَّه العليِّ العظيم وسبحان اللَّه وبحمده سبحان اللَّه العظيم.
2 notes · View notes
abdullah-nhr · 3 months
Text
قال بعضهم: ما أدري أنِعمتُه عليَّ فيما بَسط عليَّ أفضل أم نعمته فيما زَوَى عني.
6 notes · View notes
issamrahab · 11 months
Text
[ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ]
من أحب تصفية الأحوال، فليجتهد في تصفية الأعمال.
قال الله عز وجل: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا}.
وقال النبي ﷺ فيما يروي عن ربه عز وجل: «لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد».
وقال: «البِر لا يَبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، فكُن كما شئت، فكما تَدين تُدان.».
وقال أبو سليمان الداراني: « مَن صَفًّى صفي له ، ومَن كَدْر كُدّر عليه ، ومن احسن في ليله كوفىء في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفى في ليله».
وكان شيخ يدور في المجالس ويقول: من سره أن تدوم له العافية، فليتق الله عز وجل.
وكان الفضيل بن عياض يقول: «إني لأعصي الله ، فأعرف ذلك في خلق دابتي، وجاريتي».
واعلم - وفقك الله - أنه لا يُحس بضربة مبنج ، وإنما يعرف الزيادة من النقصان المحاسب لنفسه ومتى رأيت تكديراً في حال فاذكر نعمة ما شكرت ، او زلة قد فعلت ، واحذر من نفار النعم، ومفاجأة النقم، ولا تغتر بسعة بساط الحلم، فربما عجل انقباضه .
وقد قال الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }.
وكان أبو علي الروذباري يقول: « من الاغترار أن تُسيء ، فيحسن إليك، فتترك التوبة، توهماً أنك تسامح في العقوبات».
#صيد_الخاطر
#ابن_الجوزي
Tumblr media
9 notes · View notes
arabishee · 2 years
Text
فإنني على كلّ شاكٍ بالعراقِ شفيقُ.!
27 notes · View notes
c002a7134 · 1 year
Text
Tumblr media
✿ عمر خديجة عند زواج النبي بها
اشتهر أن عمر أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها لما تزوج بها الرسول ﷺ أربعون سنة ، ولم يثبت ذلك ؛ لكونه مرويًّا من طريق الواقدي وهو متروك ، وقد روى ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما : (كان عمرها ثمانيًا وعشرين سنة) ، وكذا رواه ابن إسحاق ، وهذا هو الأقرب ، لا سيما وقد أنجبت من رسول الله ﷺ ذكرين وأربع إناث ، والغالب أن المرأة تبلغ سن الإياس قبل الخمسين . [ السيرة النبوية الصحيحة ، لأكرم العمري (١١٣/١) ] .
✍️ الشيخ سعد بن تركي الخثلان
8 notes · View notes
esraa96 · 2 years
Text
"والعلم هو الفقه".
Tumblr media Tumblr media
6 notes · View notes
abumuhamd · 2 months
Text
Tumblr media
0 notes
abcdketabat · 7 months
Text
وفي فقه الخطاب يقول سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله : أن تحدث الناس على المنابر وفي الخطب عن الربا وقد انتشرت بينهم الخمور فهذه خيانة لله ورسوله...
1 note · View note
ihyamiras · 11 months
Text
أنواع النذر
Tumblr media
نذر يجب الوفاء به (نذر الطاعة)
هو كل نذر فيه طاعة لله عز وجل (صلاة نافلة — صوم نافلة — عمرة — صدقة — صلة رحم)، كأن يقول: (لله عليّ أن أصوم كذا وكذا) أو (لله عليّ أن أتصدق بكذا من مالي).
وربما يكون النذر مُعَلَّقاً بحدوث أمرٍ ما: كأن يقول إن شفا الله مريضي فلله عليّ أن أصوم كذا أو أتبرع بكذا، وهذا النذر يجب الوفاء به، فإن حدث أمرٌ طارئ منع من الإتيان بهذا النذر وجب عليه إخراج كفارة اليمين.
نذر لا يجب الوفاء به بل تجب فيه كفارة اليمين
وهو ما يقع في الحالات التالية:
نذر خالف نصاً شرعياً: كنذر صيام يومٍ منهيٍ عنه: (يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان، أو صوم يوم النحر)، فلا يجوز صيام هذا اليوم، بل تجب فيه كفارة اليمين.
نذر فيه معصية: كشرب الخمر، أو الزنا، أو سرقة، أو أكل مال اليتيم، أو قطيعة رحم، فهذا النذر لا يجوز الوفاء به أبداً، بل تجب فيه كفارة اليمين.
النذر المطلق: وهو النذر الذي عُلِّقَ بأمرٍ ما لكن لم يُسَمَّ هذا النذر، كأن يقول: (لله عليّ إن شفا الله مريضي) ولم يذكر النذر، أو (إن نجحت في الامتحان فلله عليّ) ولم يذكر النذر، فهذا النوع تجب فيه كفارة اليمين.
نذر يخير بين الوفاء به أو التكفير عن يمينه
وهو ما يقع في الحالات التالية:
نذر اللجاج (الغضب): وهو كل نذر يقصد به حث النفس أو الفير على العمل أو المنع عن عمل، أو تصديق خبر أو تكذيبه، كأن يقول (إن فعلت كذا؛ لله عليّ صوم أو صلاة)، وهنا ليس المقصود من النذر تحقيقه بحد ذاته؟ ولكن ألا يقوم بالأمر المنذور له، وهذا يُخَيَّر بين الوفاء بالنذر أو إخراج كفارة اليمين.
النذر المباح: كمن نذر أن يلبس ثوباً مُعَيّناً، أو يركب دابة أو سيارة مُعَيّنة، أو يأكل طعاماً مُعَيَناً، فهنا يخير بين الأداء أو إخراج كفارة اليمين.
المصدر: النذر وأحكامه
0 notes
hadeth · 1 year
Text
Tumblr media
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ ‏.‏ قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ ‏.‏ قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ ‏"‏ مَا أَجْلَسَكُمْ ‏"‏ ‏.‏ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ‏.‏ قَالَ ‏"‏ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ ‏"‏ ‏.‏ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ ‏.‏ قَالَ ‏"‏ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ ‏"‏ ‏.‏ صحيح مسلم حديث ٢٧٠١
Abu Sa'id Khudri reported that Mu'awiya went to a circle in the mosque and said: What makes you sit here? They said: We are sitting here in order to remember Allah. He said: I adjure you by Allah (to tell me whether you are sitting here for this very purpose)? They said: By Allah, we are sitting here for this very purpose. Thereupon, he said: I have not demanded you to take an oath, because of any allegation against you and none of my rank in the eye of Allah's Messenger (peace be upon him) is the narrator of so few ahadith as I am. The fact is that Allah's Messenger (peace be upon him) went out to the circle of his Companions and said: "What makes you sit?" They said: We are sitting here in order to remember Allah and to praise Him for He guided us to the path of Islam and He conferred favours upon us. "Thereupon he adjured by Allah and asked if that only was the purpose of their sitting there." They said: By Allah, we are not sitting here but for this very purpose, whereupon he (the Messenger) said: "I am not asking you to take an oath because of any allegation against you but for the fact that Gabriel came to me and he informed me that Allah, the Exalted and Glorious, was talking to the angels about your magnificence." Sahih Muslim 2701 In-book reference : Book 48, Hadith 51
في هذا الحَديثِ يَرْوي الصَّحابيُّ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الخليفةَ مُعاويةَ بنَ أبي سُفيانَ رَضيَ اللهُ عنهما خَرَجَ على حَلْقَةٍ لبَعضِ الرِّجالِ في المسجِدِ، فَسألَهُم عن سَببِ جَلستِهم تلك، ولعلَّ ذلك كان في غَيرِ وَقتِ الصَّلاةِ، فأخْبَروه أنَّهم يَجلِسون لذِكرِ اللهِ تَعالَى، فطَلَبَ منهم أنْ يَحلِفوا أَنَّهُم ما أَرادوا إلَّا ذلك، فحَلَفوا له، فَقالَ: «ما أَسْتَحْلِفُكُم تُهْمَةً لكُمْ» بالكَذِبِ؛ لأنَّه خِلافُ حُسْنِ الظَّنِّ بالمؤمِنينَ، لَكِنْ أَردتُ المُتابَعَةَ -أي: المُشابَهَةَ- فيما وَقَعَ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع الصَّحابةِ. «وما كانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي» أي: بِمَنْزِلَةِ قُربي «مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»؛ لِكَوْنِ أُمِّ حَبيبةَ أُخْتِهِ زَوجةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولِكَونِه مِن كَتَبَةِ الوَحْيِ، فحَدَّثهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ يومًا مِن حُجراتِه على أَصحابِه، فوَجَدَهم تَحلَّقوا في المسجدِ النَّبويِّ لذِكرِ اللهِ تَعالَى، فسَألهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمِثلِ ما فَعَلَ مُعاويةُ رَضيَ اللهُ عنه مع أصحابِه، فقال لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ولكِنَّه أَتاني جِبريلُ» وهو الملَكُ الموكَّلُ بالوحيِ، «فَأخبَرَني أَنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُباهي بِكُمُ الملائكَةَ»، وأصلُ المُباهاةِ المفاخَرةُ، والمعنى: يُظِهرُ فَضلَكُم لهم ويُرِيهم حُسنَ عَملِكم، ويُثنِي عَليكُم عِندَهُم؛ وذلك لعِظَمِ شَأنِهم؛ حيْث أقْبَلوا عليه سُبحانه وتَعالَى، فاسْتَحقُّوا بذلك الثَّناءَ عليهم في الملأِ الأعلى، كما في حَديثِ الصَّحيحينِ: «وإنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرْتُه في مَلأٍ خَيرٍ منهم». وفي الحَديثِ: فَضلُ الِاجتماعِ على ذِكرِ اللهِ سُبحانه. الدرر السنية
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الصواب في هذا الموضوع أن الحديثين في الذين يتدارسون كتاب الله ويتلونه ، وكذلك في القوم الذين يذكرون الله : أن هذا مطلق ، فيحمل على المقيد المتعارف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولم يكن من المتعارف بينهم أنهم يذكرون الله تعالى بلفظ جماعي ، أو يقرؤون القرآن بلفظ جماعي . وفي قوله : ( ويتدارسونه بينهم ) يدل على أن هذه المدارسة تكون بالتناوب : إما أن يقرأ واحد فإذا أتم قراءته قرأ الثاني ما قرأ الأول وهكذا ، وإما أن يكون كل واحد منهم يقرأ جزءاً ثم يقرأ الآخر مما وقف عليه الأول ، هذا هو ظاهر الحديث . وأما الحديث الآخر الذي فيه أنهم يذكرون الله تعالى فإنا نقول : هذا مطلق ، فيحمل على ما كان متعارفاً عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولم يكن متعارفاً بينهم أن يجتمعوا وأن يذكروا بذكر واحد جماعة " انتهى . الإسلام سؤال وجواب
Hadith Translation/ Explanation : English French Spanish Turkish Urdu Indonesian Bosnian Russian Bengali Chinese Persian Tagalog Indian Sinhalese Kurdish Hausa Portuguese Malayalam Swahili: https://hadeethenc.com/en/browse/hadith/3007
46 notes · View notes
tarekmurad6 · 9 days
Text
الامام النووي الاربعين النووية
قال الامام النووي في شرحه الأربعين النوويةص14 : قال رسول عليه الصلاة و السلام : زَرَا رجُل أخاً لهُ في قرية ، فأرسل الله له ملَكاً على مدرجته ، فقال أين تريد ؟ قال : أريدُ أخاً لي في هذه القرية ، فقال هل لهُ عليكَ من نعمة تؤديها ؟ قال لا ، إلّا أني أحبّه في الله تعالى ، قال فإني رسول الله إليك بأنّ الله أحبّكَ كما أحببته . رواه مسلم و غيره
قَال الامام النووي في شرحه الاربعين النووية : الخروج من أرض يغلب عليها الحرام ، فإنّ طلب الحلال فريضة على كل مسلم . ص13
قال الامام النووي في شرحه الاربعين النووية : الهجرة من بلاد الكُفر إلى بلاد الإسلام ، فلا يحل لمسلم الإقامة بِدار الكُفر ، قال المارودي: فإن صارَ له بها أهل و عشيرة و أمكنَهُ إظهار دينه ، لم يَجِز له أن يُهاجر لأنّ المكان الذي هو فيه صارَ دار إسلام . ص 16
قال الامام النووي في شرح الاربعين النووية : هجرة المُسلم أخاه فوق ثلاث بغير سبب شرعي و هي مكروهة في الثلاث و فِيما زاد حرام إلّا لضرورة ، و حُكي أنّ رجُلاً هجَرَ أخاه فوقَ ثلاث أيام فكَتَبَ إليهِ هذهِ الأبيات :
يا سيدي عندك لي مظلمة .. فاستَفتِ فيها أبى خيثمه
فإنّهُ يرويه عن جده ..ما قد روى الضحاك عن عكرمه
عن ابن عباس عن المُصطفى .. نبيّنا المبعوث بالرحمه
إنّ صُدُود الإلف عن إلفهِ .. فوقَ ثلاث أيّام ربُنا حَرَمَه
0 notes
maagunlbasha · 1 year
Text
حكم صيام شهر رمضان
Tumblr media
صيام شهر رمضان فريضة واجبة على المسلمين جميعاً، ولا شكَّ أن الإفطار فيه دون وجود عذرٍ شرعيّ يُعدُّ كبيرةً من الكبائر ومخالفة مباشرة لأوامر اللهِ تعالى، إذ أمر الله عباده بالصيام في قوله:
(یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلصِّیَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) [سورة البقرة 183].
(شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡیَصُمۡهُۖ) [سورة البقرة 185].
فضل صيام رمضان
يُقبل علينا شهر رمضان المُ��ارك حاملاً في ثناياه البشائر والرّحمات، فهو شهر مضاعفة الثواب ومغفرة الذنوب وتطهير القلوب، وليس من الممكن أن نُحصي فضائله في سطورٍ قليلة.
فيما يلي أبرز فضائل الصوم في رمضان:
سببٌ لمغفرة الذنوب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ‏ “‏ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ‏”‏‏.‏
سبيلٌ لمرضاة الله تعالى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:‏ “‏ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ “‏‏.‏
طريقٌ لدخول الجنّة: عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَجُلاً، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَصُمْتُ رَمَضَانَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ ‏”نَعَمْ”‏.‏
المصدر : شهر رمضان وفضل صيامه
0 notes
Text
الأدلة في البحث عن أصول الفقه هو ما يتعلق عن الأدلة المتفق والمختلف لقبول واحتجاج فيها.
والمتفق أربعة: القرءان والسنة والإجماع والقياس.
والمختلف: الاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع وعمل أهل المدينة وشرع من قبلنا وقول الصحابي والعرف ومصالح المرسلة.
1 note · View note
daradahriah · 1 year
Photo
Tumblr media
‏‎#صدر_حديثا #كتاب الإبراء وتطبيقاته في المؤسسات المالية الإسلامية. للدكتورة/ فاطمة فيصل الحمدان. وهو كتاب يتناول الإبراء ومسائله وتطبيقاته في المؤسسات المالية الإسلامية. #مؤسسات_إسلامية #فقه #رسايل_علمية #دار_الظاهرية_للنشر_والتوزيع ‎‏ https://www.instagram.com/p/CpuOO8xIYfX/?igshid=NGJjMDIxMWI=
0 notes
c002a7134 · 1 year
Text
❀ ما حكم قول : شمالك يمين ؟
الشيخ أ.د سعد بن تركي الخثلان
↪ https://youtube.com/shorts/aEhOorYXenE
3 notes · View notes