أحيانا لاتليق المواساة بأحزان أصدقائي ؛لايليقُ بإحترام أحزانهم سوى الصمت لإني على يقين أنهم عاجزون عن التعبير والشكوى عما يؤلمهم وأنا عاجزةٌ عن المواساة وفعلِ شيء إزاء مايشعرون ؛أودعتُ الله قلوبهم أمنياتهم وكلّ مايحلمون بهِ ومايشعرون .
إنه الثامنة واثنان وأربعون دقيقة هنا، أكتب لك من الحافلة المتجهة إلى كليتي. في الآونة الأخيرة، لم أشعر بذاتي حتى أنني لم أعد استيقظ في الرابعة، خسرت التحدي. لا أدري ما الذي يحدث لي، هل كان احتراقًا منذ البداية ولم ألاحظ ذلك؟ المشكلة هي أنه لم يعد لي وقت للاستراحة ومن هذا القبيل، فقد استرحت بما فيه الكفاية، رغم أن أفكاري لم تسترح ولو لدقيقة. أتذكر عندما كنت في الصف السابع وكنت من المتف��قين. في أحد الاختبارات، أصابني انكسار في الدرجات وغلبني زملائي ولم أتمكن من الحصول على المركز الأول. ولكن لحسن حظي، كنت أملك كادرًا تعليميًا بحق، ففي حصة العلوم عندما سمعت المعلمة بما حدث وهي تعلم أنني من المتفوقين، وقفت عند اللوح ورسمت نبضات القلب صعودًا ونزولًا وكل شخص يشاهدها بصمت. ثم قالت: "هل تعرفون ما هذه؟" كلنا أجبنا: "إنها نبضات القلب". قالت: "نعم، وإنها أيضًا الحياة. عند توقفها، يموت الشخص، ونحن مثلها، يجب علينا أن نعلو تارة ونهبط تارة أخرى. فإذا توقفنا، نموت". ظلت هذه العبارات في ذهني حتى يومنا هذا. ثم، بعد ما يقارب عشر سنوات، اكتشفت أن الحياة مثل الأعضاء الإرادية واللاإرادية، فهناك أشياء علينا أن نتخذ قرارها بأنفسنا وبموافقتنا أو عدم موافقتنا تكون مثل عضلات الأطراف( اليدين والقدمين)، وهناك أشياء مهما حاولنا السيطرة عليها لن نستطيع وستهدر طاقتنا فقط، فكل ما علينا فعله هو الاستسلام لها والمشي مع التيار، مثل عضلة القلب، فلا يمكننا التحكم بها، فقط علينا الوثوق بها وما تفعله.
فكل ما عليَّ فعله الآن هو الاستمرار والاستسلام. كم هو تناقض متجانس حقًا، أليس كذلك، يا عزيزي؟ أكتب لك الآن وأنا على متن الحافلة عائدة إلى البيت، و قد حان وقت نزولي بالفعل.
في كل مرة أنتهي من كلامي، أنتظر ردك وكأنك تقرأ، ولعلك بالفعل تقرأ وأنا لا أعلم. لنلتقِ يومًا ما، ونكتب معًا في الحافلات والطرقات. لن تدعني أكتب وحيدة، أليس كذلك؟ على أي حال، أتمنى أن تكون فلسفتي قد أعجبتك. إلى اللقاء،
كنت أعلم أنه اللقاء الأخير، لقاء رتبت تفاصيله على أن يكون فراقنا من بعده أنيقا، أنتِ عدت إليه، وأنا عدت لنفسي، معي تفاصيل ملامحك، أبتسامتك، جلستك الاخيره، معي نسخة منك، ما أروعه من فراق !
أثناء قرائتي لكتاب "الثوريون لا يموتون أبداً" الذي يتناول السيرة الذاتية لجورج حبش، أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم أستطع أن أتغاضى عن أوجه الشبه المتعددة والواضحة وضوح الشمس ما بين قصة تهجير الشعب الفلسطيني في عام 1948 التي رواها جورج حبش بذاته (كونه عاش وعايش تجربة النكبة كشخص بالغ في السن الجامعي)، وما بين قصص التهجير القسري التي يتم تصديرها لنا من قطاع غزة في العامين 2023 و 2024.
كنت أعي أوجه الشبه هذه منذ بداية العدوان الحالي على قطاع غزة وبداية تهجير أهالي القطاع إلى "المناطق الآمنة" المزعومة على لسان الجيش الإسرائيلي الكاذب والوحشي، إلا أنني لم أعي إلى أي مدى تترابط قصتي التهجير التي الفرق الزمني بينها 75 عاماً وكيف تتمثل كل قصة تهجير في القصة الأخرى…فإذا أردنا شرح قصة النكبة لشخصٍ لم يعها قبل، كشخص لم يكن مهتماً بالقضية من قبل الحرب الحالية على غزة، فعلينا أن نذكّره بقصص التهجير القسري الغزيّة لعلّه يتخذ صورة أقرب للواقع عن نكبة وقعت منذ زمن بعيد، إذ يصعب على المرء تخيل قصة حدثت منذ سنين طويلة… فقصص النكبة (سواء المحكية منها أو المكتوبة) ما هي إلا تفسير أوسع لقصص التهجير الغزيّة، وبالتالي فإن العكس صحيح.
ولكن الحدث الذي كان صادماً بشدة بالنسبة لي هو عندما تحدث جورج حبش عن وفاة شقيقته في أحداث النكبة وكيف تم دفنها : "وعند وصولي وجدت أن عائلتي قد دفنت شقيقتي على عجل في حديقة منزلنا. لم يكن بالإمكان دفنها في المقبرة واجراء المراسم الدينية للدفن لانعدام الامن" ، اذ ذكّرني هذا الحدث بصور الاشلاء والجثث التي تُدفَن في ساحات المستشفيات في غزة.
ووجه شبه آخر استوقفني هو قصة مفتاح العودة التي تكررت مرات عدة على مدار التاريخ الفلسطيني اذ نسمع هذه القصة عن نكبة عام 1948، نكسة حزيران عام 1967 والآن في الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الغزيين في العامين 2023 و2024 : "كانت أسرتي قد تركت وراءها كل شيء. تركت الممتلكات والمخازن التجارية والمزارع، ولم تحتفظ إلا بمفاتيح منزلنا وبالوثائق التي تثبت ملكيتنا للمنزل والأرض المحيطة به. ربما تنفعنا هذه الوثائق ذات يوم؟"
كل هذه التطابقات ما بين تاريخنا الحديث والتاريخ الذي كُتِبَ عن أحداث عام 1948 ما هي إلا اثبات لسخرية القدر، وما هي إلا اثبات أكبر على الخذلان والتخاذل العربي في كلٍ من العدوانين.
"تعود المسؤولية عن الهزيمة بالدرجة الأولى على الأنظمة العربية، وخصوصاً النظامين الأردني والمصري. كانت جيوش جميع الأنظمة متعاطفة جداً وشديدة التحفز، ولكن الحكومات لم تفعل شيئاً" - جورج حبش، عن هزيمة 1948.
في كل مرة أسشعر الضعف يسري داخل كياني، أربّت على قلبي و اقول ان لطافتك معي كانت مجرد ندوب مؤقتة لم يحن وقتها بعد، احسست لوهلة اني كنت أعلم هذا منذ البداية لكن قلبي راهن عقلي على أنك مختلف ...
الى الان لازلت اراهن على ذلك، لا ادري الى متى، الكل يقول تخطي و انا اقول حسنا .. فقط لاسكاتهم .. !
قد تختلط صدفة مشاعر صادقة بلحظة غضب أو انتشاء فينتج عن ذلك التلفظ بعبارات تقودنا نحو سوء فهم أو تعبير صحيح عن مشاعر صادقة أردنا تجنبه .. كأن يشارك الواحد منا حبًا أحادي الطرف مع الطرف ذاته لمجرد لفحةِ فرح انتابته .. أو كأن ينطق بحقيقة سوداوية احتفظ بها لأجل وازع ، هو يعلمه ، مع اول انهيار عصبي يتملكه .. أو يقول في لحظة قنوط عقيمة مثل هذه
"أين العرب .. أين الأمة الإسلامية " [ ويالها من زلة لسان .. قبحها الله ..كيف يجرء الناس على تخوين اخوانهم بهذه السهولة المفرطة ؟ ألا يرون انشغالنا اليومي الحيني في تكفير هذا و ذاك ، تلك الطائفة و أختها ؟! .. أيستسهل هؤلاء طرز كسوة الحرم و توفير خيوط الذهب لها أو النبش في سيرٍ طرزت على المقاس لأناس ابتلعهم و جثثهم الدهر .. أيجهل الناس أن الحديث عن الوضوء في الخطب و الدروس اليومية شيء واجب يطغى حكمه و قداسته عن أي حدث كان ؟ .. و ما باليد حيله ، أفلا يرون و يعقلون أنه ما من "مهديٍ" في الأفاق إلا حد اللحظة ؟ وكيف للجيوش أن تحرك ساكنًا دونه .. أترضون أن تقاطع شدْو ولي أمرها المنبعث من أبواقه الذهبية التي لا يتعدى صداها الأرض نظرا لإنشغال السماء ، مع الأسف ، باستقبال الأرواح الطاهرة التي باتت ترتقي الواحدة تلو الأخرى .. ] ، المعروف عن هكذا مواقف أنها تحبذ استضافة الذاكرة طويلة المدى للأفراد أو الجماعية للشعوب لها و الإعتناء بها ، لتظهر من جديد من أول نكسة أو سوء فهم متجدد ، رغم اتفاق الأطراف على تلافيها و ظنهم اليقيني أن ما فات قد مات .. لاشيء يموت صدقوني ، الجروح ، الخيانة، الإحساس بالضعف و العجز و الإهانة…كلها ندبات تسكن فؤاد الشخص و ترافق قطار الحياة تارة و تختبئ بين سكك التاريخ المفخخة طورا آخر ..
لتنفجر يوما ما في وجه الظالم و المتاجر بحقها و تلتهم كل ما يحيط بها من وهم زائف
تلملم فرقصَ على شظاياها منوماً بتناهيدٍ نافذة، هو فقط تشجن ثم تشنجَ ثم شهق و ألقى خرابه على ورقٍ رقيق، وجد نفسه يجاري أنامله في سطرٍ مضرجٍ بصبابتهِ المنخورة لا الصُبح ولا منتصف الليل إسطاعَ أن يُداريه، منفكٌ من بياضها، ناكثٌ لوعوده، ماكثٌ في فراغِه السحيق..
في مفرداتِ التبعثُر حين وجد نفسهُ مكبلاً، مكمماً بكثافةِ صمتِه، مكوكراً داخل آثامه وثمِلاً بثورة شعوره العميق..
وسط جدارِ المأساة صورةٌ مبتورة، و فوق رف الإلتعاجِ كتابٌ أوراقهُ منثورة، وعلى قارعةِ طريق الملحمة مرآته المكسورة ووجهه المهشم في آثارها ما كاد من ثبورهِ بعدها أن ينجُو أو يَستفيق..
كؤودٌ بلا ميسرةٍ، مذعورٌ من كُثبان رمادِ سجائره، مرصوصٌ في معلبِ الأفكار بسذاجتها و مبهرجٌ بكُربِ الحياة..مُعوَّجٌ لا إعتدال فيه!..
قابلٌ للكسرِ، كاسرٌ لقبوله على كل شيءٍ بهيج، كاتبٌ في زمنٍ مرميٌ على عقارب ساعته الكلمات، مؤمنٌ بإنعتاقيته و كافرٌ بدينِ التقييد.
حرٌ مدمجٌ بذبول عينيه..
عازفُ انغام الوِحشة، مُعادٍ وعنيد!
كتب ذات أمسيةٍ منسية بعيداً عن غبارها " كنتُ مخذراً ولا إنبلاج لأنفاسي، مكفناً بهفواتي، محاكياً للموتِ وباسطاً ذراعيَّ لإنتهائي..مهشمٌ انا ولا أمل لي في إحتدامي!"